by استكتب

Share

by استكتب

Share

الدكتور أسامة الأشقر

شخصية وُصفت بالموسوعية، وكاتب فذّ أحيا ذكر الأدباء الرحالين أمثال ابن بطوطة وابن جبير الأندلسي والمسعودي والمقدسي والإدريسي وغيرهم الكثير من الرحالة الذين سطّروا لنا بين صفحات الكتب أخبار وأوصاف أقاليم وبلدان شتى، بلغة سامقة باهية، ضيفنا اليوم في برنامجنا الحواري لقاء في استكتب، فكل الشكر والتقدير على هذه الفرصة العظيمة التي منحتنا إيّاها.

 

“لغويّ تطوّر إلى مؤرّخ”، هكذا لخّص نفسه على صفحته الخاصة بالفيس بوك، وما بين هذه وتلك، ثمّة رحلة أناخت في ساحات الأدب عشرات المؤلفات من روايات وكتب ومقالات وبرامج أدبية وتاريخية، امتازت بلغة تجسيدية وصفية مميزة، أي أنك ترى ما تقرأه له بشكل مدهش، وما كانت لتتفرد هذه اللغة، لولا حرص الدكتور على جزالة اللفظ، وتناسق المعنى، والحرفية في انتقاء العبارة الدالة والمشوقة .

فلسطيني الأصل، سوداني الجنسية والإقامة والشغف، وهذا الأخير الذي كان مفتاح اختياره لأن يكون راوي سلسلة أرض السمر الوثائقية، والتي طوف بنا من خلالها أرجاءَ السودان، فأماط اللثام عن عن وجوهه الطيبة، وعوالمه المدهشة، وذاكرته التي تنبض بعبق التاريخ.

إلى جانب كتاباته الغزيرة، فهو شخصية إعلامية، حاصل على شهادة دكتوراه الفلسفة في اللغة العربية من جامعة الخرطوم، ثم شهادة دكتوراه في الإعلام من جامعة أم درمان.

  • بداية نودّ أن نتعرّف وروّاد استكتب على بدايات الدكتور أسامة مع الكتابة، متى بدأ، ومن أين انطلق، وما هي المؤثرات التي صاغت مَلَكة الكتابة لديه؟

كانت البداية الأولى في امتلاك أدوات الكتابة حيث تلقيتُ العلم بالطريقة التقليدية القديمة على أيدي العلماء في النحو والصرف واللغة والأدب والمنطق والفقه والبلاغة والحديث والرسم والفلك … وكنت أحفظ منظوماتها، قبل التحاقي بالجامعة، وفي الجامعة اكتشفتُ موهبة الشعر بعد أن كنتُ أكتب المنظومات العلمية، وظللت أكتب الشعر فحسب حتى اكتشفتُ أنني كاتب قادر على توظيف معارفي بعد نيلي الماجستير في فلسفة اللغة، وكانت بدايتي تقليداً للكتّاب العظام مثل الجاحظ ، ولكنني تأثرتُ أكثر ما تأثرت بالخطّابي حمْد بن سليمان صاحب غريب الحديث وكتاب العزلة.

  • أدب الرحلات هو أدب عربيّ أصيل وعريق، لماذا تراجع حتى كاد أن يضمحل في العصر الحديث؟

الرحلة ليست انتقالا من مكان إلى مكان فهذا يفعله كثيرون في زماننا بل هي التعايش مع المكان واستنطاقه ومحاولة اكتشافه، وأتعامل مع كل جامد في المكان أنه كائن حي ناطق يحاول أن يقدِّم نفسه لي وكل ما عليّ أن أنصت له، وأظن أن عالم السلاسل الوثائقية التي تقدمها القنوات المتخصصة تعيد تقديم الرحلة بأسلوب جديد ونمط مختلف يتناسب مع هذا العصر.

  • ما هي مقومات الكتابة الوثائقية؟

الكتابة الوثائقية تتطلب ثراء لغوياً، وقدرة عالية على الوصف وضرب المثل واكتشاف التشابهات وعقد المقارنات، وهي تتطلب قدرة على التخييل، واكتشاف مداخل الحديث وربطه بالمدخل المناسب وصياعة الدراما الداخلية والاختتام اللطيف المتوقّع.

  • ما السرّ وراء هيمنة المؤسسات الغربية على صناعة وإعداد الأفلام الوثائقية بينما يكتفي العرب بترجمتها؟

التكلفة العالية هي السبب في ذلك ، رحلاتنا كانت عظيمة التكلفة ولولا وجود جهات إنتاجية قوية فلم يكن لنا أن نكمل رحلاتنا بهذه الإمكانات الكبيرة؛ ولكن هناك فرصة رخيصة التكلفة في إعداد الوثائقيات وتوثيق الرحلات من خلال تقنيات الجوال ومستلزماته ويمكن أن يقوم بها شخصان أو ثلاثة بإمكانات ذاتية لكنها لم تحظ بالحضور التلفزيوني ولكن بإمكانها أن تسجل حضورا مميزاً في وسائط التواصل ولاسيما اليوتيوب وأمثاله.

  • هل يمكن، دكتور، أن تُقرّب روّاد استكتب من بعض أنواع الأفلام الوثائقية؟

تخصصي هو في الوثائقيات التاريخية والطبيعية إضافة إلى الوثائقي السياسي والاجتماعي والإنساني والصوتي الإيقاعي، وعادة ما نبحث عن المثير والغريب والمجهول والغامض والصادم .

  • هل تخضع الكتابة التاريخية لمعايير محددة؟ ولماذا يعدّ هذا الصنف من الكتابة أخصب المجالات القابلة للتزييف والتحريف؟

الوثائقي ليس جامعة ولا مدرسة ولا كتابة أكاديمية بل هو يتبع الصورة المتوفرة، ويبحث عن المكان ليستنطقه ويقربه للجمهور المستهدف، ويقارنه بالتاريخ المدون، وعندما لا يجد الصورة المكافئة فإنه يقوم بصياغة صورة تقريبية مرسومة، وهذه العملية يتحكّم فيها صانعها أو كاتب السيناريو فيها باتجاهات الحقيقة أو التضليل.

  • كيف يرى الدكتور أسامة حال القلم العربي اليوم؟

لستُ متشائماً فهناك أقلام غنية ولكنها لا تنتج الأشكال الأدبية المعروفة وتتجه أكثر إلى التدوين الإلكتروني، هناك أشعر بوجودهم وأتابع أقلامهم ومهاراتهم العالية، وهذا ما يدفعني للبقاء في هذه العوالم الرقمية لمتابعة هذه الأقلام التي تفرض وجودها في الفضاء الرقمي.

  • احكِ لنا عن طرفة صادفتك أثناء تجوالك في أرض السمر؟

حكاياتنا كثيرة جداً تبدأ بالظروف القاسية التي تعرضنا لها، أو الضياع الطويل في الأدغال والبوادي، أو خوض تجارب صعبة مع قطّاع طرق في مناطق نائية نخرج منها أصدقاء ونسوقهم للتوبة، أو التعامل مع ثقافات قبلية وجهوية غير معتادين عليها مثل بعض ثقافات التحويط والتعويذات لحماية الأمكنة على يد سحرة محليين، كما نمر بتجارب عجيبة في الكرم والسخاء والتسامح، وربما وصلت بنا بعض الحكايات إلى حد اعتبارنا شخصيات مقدسة في بعض البيئات المعزولة.

أسامة الأشقر

  • لو أتيحت لك الفرصة لإنتاج فيلم وثائقي عن بلد عربي، فأي بلد سيقع عليه اختيارك؟

كانت الرغبة وما تزال في توثيق تاريخ الأمكنة في فلسطين والحياة فيها، وقد أعددتُ مادة ضخمة عن ذلك منذ عشرين سنة وما أزال أضيف عليها الكثير، فقد أنجزتُ مثلاً معجم ريف فلسطين، ومعجم نباتات فلسطين التي تحكي كل ما وقعتُ عليه من حكايات النبات والأشجار والفواكه والخضار والحبوب هناك، وجمعتُ مادة هائلة عن حيوانات فلسطين وحشراتها … هناك مادة غزيرة جعلتها لكل مدينة عن شعرائها وأدبائها وما قاله الناس فيها قديماً وحديثاً.

هناك عمل شبيه بدأته في سوريا لكنه توقف بسبب الأزمة هناك، وكانت لدي رغبة أخرى في شمال الحجاز والأردن ولبنان وجنوبي تركيا .

  • يقول المتنبي: لا بد دون الشهد من إبر النحل، فماذا يقول الدكتور أسامة عن تجاربه مع النحل، التي – وحسب متابعتنا – لا تكاد تخلُ رحلة من رحلاتك دون أن يكون للنحل مشهد فيها؟

تكثر خلايا النحل في الغبات والجبال وهي كثيرة جداً بحيث تجد خلايا كبيرة في معظم الأشجار والفجوات والشقوق فيها أو في الجبال والكهوف، وبمجرد اقترابك منها تهاجمك بشراسة بالغة، وما زال أشعر بآلام في فروة رأسي، وخدودي، وكتفي اليسرى، وأقدامي نتيجة هذه الهجمات، لكنني أصبحت معتاداً عليها ولا أشعر بالآلام الفظيعة التي كنت أشعر بها أول مرة.

  • هل يمكن القول أن المؤسسات الثقافية في البلاد العربية تؤدي دورها المنوط بها في رعاية الأقلام الشابة أم أن هناك عقبات تحول دون ذلك؟

مؤسساتنا الثقافية في العموم إما أنها انهارات أو تنهار بسرعة أو تتحول إلى دكان سياسي أو إيديلوجي يخدم توجهات جهة لها مشروع لا يستهدف التنمية الثقافية للشباب بقدر ما يستهدف الترويج السياسي أو الاستعراض.

  • كيف يقرأ الدكتور أسامة مشهدنا اللغوي اليوم في ظل هيمنة اللهجات المحلية على الإنتاج السمعي و البصري؟

لستُ معادياً للخطاب المجتمعي في اللغة فهي لغة تفاهم مقبولة، ولكن لها جمهوراً محدوداً يفهمها، وأحسب أن لغتنا العربية تتمتع بفرصة أكبر في توصيل المعرفة أو المشاعر أضعاف قدرة اللغات المحلية المسماة باللهجات لو اخترنا لها المختصين الأكْفاء .

  • قارئ يتعرف عليك لأول مرة، بأي كتبك وأعمالك تنصحه أن يبدأ ولماذا؟

رواياتي المنشورة مثل مدافن الموت والبحث عن التابوت مدخل مناسب للدخول إلى عالمي وخيالي ، وكتابي: جغرافية العشاق المقدس، وكتاب البركة، مدخلان للوصول إلى عقلي وفلسفتي، وكتابي : فتوح فلسطين، ومدينة بيت المقدس في القرن الإسلامي الأول يكشف لكم عن منهجيتي ومنظومة تفكيري…

  • بماذا تنصح الشباب العربي المبتدئ في عوالم الكتابة؟

امتلاك أدوات التعبير من خلال فهم البناء اللغوي العربي وقراءة التراث ولاسيما الجاحظ وقراءة السير الذاتية والأحداث التاريخية … وأنصح أن يقرأ المبتدئ للمنفلوطي وطه حسين ثم يذهب إلى العقاد ومحمود شاكر ثم يقرأ الرويات العالمية… وأفضل متعة عقلية في تحليل النص القرآني ومحاولة اكتشافه … هنا المتعة الهائلة .

  • ختاماً، ما رأيك بمنصة استكتب، وما التوجيهات التي تعتقد أنها كفيلة بتسديد خطاها؟

هي من المنصات الواعدة التي تشدّ جمهورها نحو مربعات توعية وتأهيل، وأظن أنها ستتحول إلى منصة منبرية تنويرية إذا توفر لها الدعم المناسب والتفرغ المتخصص .

STAY IN THE LOOP

Subscribe to our free newsletter.

Don’t have an account yet? Get started with a 12-day free trial

Leave A Comment

Related Posts