إكسير النجاح في التعاون الخلاق!

ينطلق تشارلز دايغرت في كتابه ( النجاح جهد جماعي) من تساؤل مفاده: لماذا أصبح مكان العمل فضاء للأداء الآلي الرتيب، والخالي من روح التعاون والإبداع؟

وللإجابة عنه فإن التحدّي الأول هو التخلّص من جيل “أنا” واستبداله بجيل “نحن”، بحيث يخف التركيز على التنافس التناحري والمصلحة الشخصية، وتبديد أجواء التحكم والسيطرة المطلقة التي تخنق برأيه كل سعي للإنجاز الفاعل.

إن المؤسسات التي تحرص على العمل وفق سلسلة الأوامر الصارمة، وتحصر جهد العامل في تنفيذها فإنها تؤسس لنسق شبيه بالذي يسود الثكنات العسكرية، حيث تهيمن الطاعة والامتثال اللذين شبههما الشاعر ألفريد تنيسون بقوله:

قَدَرُهم الاستجابة العمياء

قدَرُهم ألا يدركوا الأسباب

قَدرُهم التنفيذ ولو إلى حتفهم !

في جو كهذا ينتهي الأمر بالأطر العاملة في المؤسسات إلى تبني ما يسمى بـ “التفكير المطوَّع اللاتعاوني”، ذاك التفكير الذي يفتقر للقوة الباعثة على الحركة والمبادرة. لذا فلا محيد عن إعادة اكتشاف الديموقراطية في العمل كخطوة أولى للنجاح.

الخطوة الثانية هي أن تؤمن بأن كونك عنصرا في فريق عمل أهم بكثير من الاكتفاء ببذل الجهد الشخصي. فالتنافس حين يكتسي صورة سلبية يتحول إلى تناحر يؤذي فيه المرء رفيقه، بينما يحقق التعاون الجماعي ارتقاء في الأداء.

إن الفلسفة الضمنية التي ينبغي أن تحكم الأداء المهني بمختلف أشكاله هي كالآتي: خير لك أن يعمل شخص واحد معك من أن يعمل ثلاثة لك. ويقدم مجتمع النحل درسا بليغا في هذا الاتجاه حين يداهمه برد الشتاء القاسي، حيث تتكتل النحلات لتؤلف ما يشبه الكرة، مع حرصٍ على تبادل المواقع بين مجموعة الوسط ومجموعة الحافة الخارجية. بتوحيد الجهود تتمكن تلك الحشرات الفريدة من النجاة.

يُسهم كذلك تطبيق نظرية الذكاءات المتعددة لهوارد غاردنر في إذكاء روح التعاون بين الشخص المتفوق في مجال معين وأفراد جماعته. حيث يتولد جو من الحماس يصعب إيجاده في النظام التنافسي. والمؤسسات التي تشجع هذا التفجير الذكي لروح الإبداع هي وحدها القادرة على الاستمرار في القرن الحالي.

إن احترام الذات والروح المعنوية العالية هما وقود الأداء الناجح، ومادام الإبداع منطويا على قدر من المخاطرة فعلى المرء ألا يتوقع مساندة من كل المحيطين به. ففي أحيان كثيرة يكون عدم امتلاك رغبة أو جرأة مماثلة دافعا للتقليل من جهد المبدعين أو الشماتة بهم. لذا لا تبحث عن رضى المقربين منك!

عند الانتقال من بيئة مهنية مستبدة إلى أخرى ديموقراطية منطلقة، ينضاف قدر من الإجهاد والتوتر، غير أن الرغبة النبيلة التي تحكمه تقلل من أثره على الفرد. إنه أحد ممتلكاتك الثمينة ما دمنا وُجدنا في هذه الحياة لنكون مؤثرين، وما يمنعك في الحقيقة من الإنجاز ليس التوتر أو الإجهاد وإنما غياب التحدي.

يقول تشارلز متطلعا إلى أثر طيب لهذا الدليل على قارئه: اعقد العزم على أن تصبح أحد أفراد فريق عمل جماعي، وسيدهشك حقا سرعة تحول العالم بين يديك!

 

حقوق الصور البارزة