يُعد المخطوط بصفة عامة أسمى تعبير عن موروث الأمة الفكري والديني و الأدبي، فهو رسالة الماضي إلى الحاضر والمستقبل، به تعتز الأمم لما يعكسه من عطاء حضاري وتأكيد للهوية والخصوصية والانتماء. والأمة العربية لا تقل في هذا الباب شأنا عن غيرها لما ورثته من آلاف المخطوطات التي تبرهن على إشعاعها وتصدر أبنائها في كافة المجالات.

المخطوط العربي

بحسب المختصين، هو الكتاب الذي نُسخ بخط اليد على شكل لفائف أو كراريس قبل عصر الطباعة. فلا يشمل بذلك الرسائل أو النقوش أو المعاهدات.

كما ينبغي أن تتضمن صناعته ثلاثة مقومات أساسية هي أدوات الكتابة، والخط الذي كُتب به، ثم التراث الفكري الذي ينقله.

أما دراسة المخطوطات أو ما يُعرف بالكوديكولوجيا، فلا تقف عند حدود النص الأساسي بل تهتم بكل شروط الإنتاج الأولي للكتاب، من حواشي وشروح، ومعلومات عن الأشخاص الذي تملكوه في السابق، والجهة التي آل إليها، و العناصر المادية المتصلة به كالترقيم والتجليد، ونوع الكاغد أو الرق، ووضع الفهرس والكشاف وغيرها.

يجزم الدكتور عبد الستار الحلوجي، أستاذ المكتبات والمعلومات بجامعة القاهرة، أن المخطوط العربي هو أطول مخطوطات العالم عمرا وأكثرها عددا، وأن ما ورثته  الأمة الإسلامية من التراث المخطوط لا تملكه أية أمة أخرى، والسر في ذلك مردّه إلى ارتباط اللغة بالدين، وتمتّعها بميزتي الأصالة والنقاء.

يرتبط ازدهار المخطوط العربي بالعصر الإسلامي الأول، حيث لم يكن العرب في الجاهلية يهتمون بتأليف الكتب وتداولها رغم أن الكتابة كانت معروفة ومنتشرة آنذاك.

 فالثقافة الجاهلية كما يعلم الجميع هي ثقافة شفاهية، ضمتها صدور الشعراء والرواة، وظلت الكتابة محصورة في نطاق ضيق لا يتعدى كتابة بعض العهود و الأحلاف وصكوك الدَين.

ولما جاء الإسلام اعتنى بالكتابة وتوثيق المعارف و الأحداث، فكان للنبي صلى الله عليه وسلم كَتبة للوحي، وحادثة اشتراط عتق أسرى المشركين في غزوة بدر مقابل تعليم عشرة من المسلمين القراءة و الكتابة مشهورة في كتب السيرة، وتعكس الاهتمام الناشئ بفعل الكتابة وتوثيق مجريات الأمور.

نشأة المخطوط العربي

كان جمع المصحف زمن أبي بكر الصديق خطوة رائدة في هذا المجال، وشهدت المدينة المنورة صدور أولى المخطوطات العربية ممثّلة في نسخ المصاحف التي بعث بها الخليفة عثمان بن عفان إلى الحواضر الإسلامية آنذاك، وكانت مكتوبة على الرق وغير منقطة أو مشكولة، أما التجليد فكان بسيطا حيث وُضعت كل صحيفة بين لوحين بسيطين من الخشب غير المزخرف.

ومع منتصف القرن الثاني الهجري تطورت العلوم وبدأت تنفصل عن بعضها، وازدادت وتيرة التأليف والترجمة، لتُتوج بحركة مكتبية في القرن الثالث مع إنشاء بيت الحكمة زمن الخليفة المأمون، وبروز نشاط واضح في سوق تجارة الكتب والمصنفات.

بفضل تصنيع الورق في بغداد زمن الخليفة هارون الرشيد، انتشرت حوانيت الوراقين التي كانت تقوم مقام المكتبات ودور النشر في يومنا هذا، وتولت إلى جانب بيع الورق ومواد الكتابة تنفيذ جملة من اللمسات الفنية، سواء المتعلقة بمادته العلمية أو بصورته الجمالية، والتي جعلت من المخطوط العربي عنوان رقي وازدهار هذه الأمة.

المخطوط العربي

مخطوط من القانون في الطب لابن سينا يعود لعام 370 هجري

 

حيث تكشف آلاف المخطوطات عن ذوق ورونق وأصالة واضحة في انتقاء الخطوط والزخرفة الفاخرة للهوامش، والتذهيب والتجليد وغيرها من الفنون التي ارتبطت بالمخطوط على امتداد قرون طويلة.

طريقة صناعة المخطوط العربي

كان التسطير هو الخطوة الأولى قبل الشروع في الكتابة، حيث يقوم الناسخ بتسطير الصفحات لتبقى السطور متوازية في المخطوط. ثم تأتي مرحلة الجدولة التي تتضمن إحاطة متن الصفحة بإطار يكون عادة بلون مخالف للون النص، ويتم ملؤه بزخارف نباتية مذهبة أو أشكال هندسية بحسب رغبة صاحبه، وكثيرا ما تم الاقتصار على الاستعمال الزخرفي لخط الكتابة ذاته.

يلي الجدولة مرحلة التذهيب حيث يُمزج ورق الذهب بالماء و العسل والملح، ثم يوضع على نار هادئة ليجف ويصير جاهزا لكتابة وتزيين أوائل المخطوطات أو أجزاء منها. وقد نالت نسخ القرآن الكريم عناية فائقة في هذا الفن حتى أن البعض منها الذي يعود تاريخه إلى القرن الثامن الهجري كُتب كله بحروف من الذهب.

وإذا كانت المخطوطة علمية تتناول معارف الطب أو الفلك أو البصريات فإن الناسخ يُزينها بالصور والرسوم التوضيحية، كما جرى تصوير بعض الخلفاء والسلاطين ومشاهد المعارك في مخطوطات تاريخية، خاصة ما يعود منها للعصر العثماني.

يأتي التجليد كمرحلة نهائية قبل إخراج المخطوط، حيث يتم تغليف الكتاب بقطعة جلد مصممة بشكل فني بديع، ومنمقة بالأشكال الآدمية والنباتية وطبقات الألوان المختلفة التي تعكس مهارة الصانع العربي.

 

 

حقوق الصورة البارزة لـ pexbay