اليوم العالمي للملكية الفكرية

أبدع فحسب!

في اليوم العالمي للملكية الفكرية يستحضر العالم أجمع متاعب أسمى مهنة في الوجود: الإبداع والابتكار في مختلف الميادين، وما يلاقيه المبدعون من قرصنة لجهودهم، واحتيال على زبدة ملكاتهم الفكرية والعلمية والفنية.

ففي هذا اليوم الذي يصادف السادس والعشرين من نيسان/ أبريل، نُصرّ على تقديم اعتذار لكل الذين أسهموا في تحلية مرارة العيش دون أن يحظوا بالتقدير الكافي. للذين أغنوا حياتنا بالعطاء الإبداعي بينما عاش أغلبهم في فاقة شديدة!

يسهم الاحتفال باليوم العالمي للملكية الفكرية في نشر الوعي حول أهمية حماية الملكية الفكرية ، ودور التشريعات والقوانين في تعزيز الابتكار الذي يشكل عالمنا، ويحقق للبشرية مطلب رفاهية العيش. فالمخترعون ومؤلفو المصنفات الأدبية والفنية يضطلعون بمهمة روحية تؤثر بشكل جوهري في تطور الحضارة، لذا توجب على الحكومات أن تكفل لهم قدرا من الحماية، مراعاة لجهودهم الفردية من جهة، ولصالح المجتمع كذلك، حيث أن الملكية الفكرية لا تعني فقط المخطوطة أو اللوحة الفنية، وإنما الأفكار التي هي جوهر الخلق والإبداع.

ويرجع اختيار السادس والعشرين من أبريل للاحتفال باليوم العالمي للملكية الفكرية إلى اليوم الذي دخلت فيه اتفاقية “الويبو” حيز التنفيذ سنة 1977، والويبو هو اللفظ المختصر للمنظمة العالمية للملكية الفكرية ، التي توجت بتأسيسها مسارا تاريخيا لحماية الملكية الفكرية بدأ منذ مطلع القرن الثامن عشر، حين قدمت جمعية الكتاب في إنجلترا مشروع قانون إلى مجلس العموم لتشجيع التعليم عن طريق تثبيت ملكية نسخ الكتب المطبوعة لمؤلفي أو مشتري هذه النسخ خلال الفترات المحددة فيه. وأصبح هذا المشروع منذ أبريل 1710 يُعرف ب ” قانون الملكة آن “، الذي اعتُبِر أول قانون عن حقوق المؤلف بالمعنى الحديث.

ويعد اليوم العالمي للملكية الفكرية مناسبة لتتبع تنفيذ كافة التشريعات المقررة لحماية الإبداع الفكري، سواء ما تعلق بالملكية الأدبية و الفنية، أو ما يرتبط بالملكية الصناعية والتجارية من حماية لعناصرها المعنوية، وبراءات الاختراع، والعلامات التجارية.

وفي هذا الصدد تعد اتفاقية تريبس الإطار الأكثر شمولية وخطورة في الآن ذاته لموضوعات الملكية الفكرية، حيث تتضمن التزامات الدول تجاه الملكية الفكرية ، والتدابير الوقائية وآليات فضّ النزاعات، غير أنها تؤثر بشكل كبير على الاقتصاديات النامية وفي مقدمتها الدول العربية التي تعتمد على التكنولوجيا الغربية.

وفي السنوات الأخير أصبح اليوم العالمي للملكية الفكرية احتفالية بالمساواة بين الجنسين، وما تتضمنه من اعتراف بمكانة المرأة في مجال الاختراع، واستعراض مؤشرات التحسن المستمر في حضورها ضمن قائمة البراءات الدولية، وإسهاماتها في التطور الإنساني الحديث عن طريق اختراعات تمتد من الفيزياء الفضائية إلى النانوتكنولوجيا، ومن الطب إلى الذكاء الاصطناعي. حيث نستحضر في اليوم العالمي للملكية الفكرية رائدات مثل غريس هوبر ، التي لقبت بـ ” أم الكومبيوتر ” تثمينا لدورها الفاعل في تطوير أول جهاز حاسوب تجاري، والإسهام في تصميم لغة البرمجة، إضافة إلى عشرات الأبحاث في المعلوماتية.

كما يحضر اسم أليس باركر ، مخترعة نظام التدفئة المركزي، و جوزفين كوشران ، مخترعة غسالة الصحون باستخدام ضغط المياه العالية وغيرهن.

تزداد أهمية اليوم العالمي للملكية الفكرية في إبراز أهمية الملكية الاقتصادية، ودورها الواضح في توفير مناخ إيجابي يُمَكن من طرح المنتجات الجديدة والمبتكرة في الأسواق، وإتاحة  الفرص لذوي المهارات لتحقيق التنمية الاقتصادية، خاصة في المجال التكنولوجي الذي يعد بحق سوقا رائجة تتيح ولوج الأنشطة الاقتصادية للعالم المتقدم.

وقد أظهرت دراسة للبنك الدولي قدمها الاقتصادي البارز إيدوين مانسفيلد ، مدى أهمية أنظمة الملكية الفكرية في التأثير على قرارات الشركات الكبرى للقيام بالاستثمار المباشر. حيث صرحت عدد من الشركات العالمية بمدى أهمية الحماية الفكرية بالنسبة لعمليات المبيعات والتوزيع، وكونها عنصرا أساسيا لاتخاذ قرار الاستثمار في مجالات البحوث والتطوير.

ويتيح اليوم العالمي للملكية الفكرية فرصة لإثارة القضايا الشائكة التي تؤثر على الاستقرار العالمي وفرص التعاون الدولي، والمتعلقة بالحماية الفكرية . وفي هذا الصدد يشكل القرار الرئاسي الأمريكي بمنع الشركات التقنية الصينية من شراء الشركات التقنية الأمريكية لسبع سنوات قادمة، حدثا جليا لخطورة الدور الذي تنهض به أنظمة الملكية الفكرية ، إذ توصل البيت الأبيض بتقرير يفيد بوجود تسرب تقني ملحوظ إلى الصين، ويتم عبر الاستحواذ الصيني على الشركات التقنية الأمريكية ونقلها بشكل قسري إلى الصين. ومعلوم أن الملكية الفكرية هي عصب الاقتصاد الأمريكي، إذ تشكل حقوق النسخ وبراءات الاختراع والعلامات التجارية حوالي % 80 من القيمة السوقية للشركات الأمريكية!

تحيي المنظمة العالمية للملكية الفكرية هذه السنة يومها العالمي للملكية الفكرية تحت شعار ” للذهب نسعى : الملكية الفكرية و الرياضة” . وهي مناسبة لتسليط الضوء على مجمل التغيرات التي ستغير وجه الرياضة ، خاصة ما يتعلق بعالم الربوتات والذكاء الاصطناعي. وبذلك ينفتح مجال آخر على مصراعيه لتحقيق المنافسة دون غش أو قرصنة!

حقوق الصورة البازرة: 

Image by Gerd Altmann from Pixabay