هل تكفي الأنوثة لتعريف المرأة؟

بقلم الأستاذة: بشرة خبيزي

جامعة: ملود معمري- تيزي وزو- الجزائر 

 

قراءة في كتاب الجنس الآخر

من بين الأسئلة التي طرحت في كتاب الجنس الآخر : هل هناك مشكلة؟ وماهي؟ بل هناك نساء؟

يقال لنا: الأنوثة في خطر ويحثوننا قائلين: كن نساء…أبقين نساء.

فكأنما كل كائن إنساني مؤنث ليس امرأة بالضرورة، بل ينبغي له أن يسهم بهذا الواقع الخفي الذي هو الأنوثة، وهل تتكفل المبيضات بإفراز الأنوثة أم أن هذه تكمن في سماء أفلاطونية؟.

وإذا كانت الأنوثة وحدها لا تكفي لتعريف المرأة، ولو سلمنا بصورة مؤقتة أن هناك نساء على الأرض، فعلينا حينئذ أن نتساءل ماهي المرأة؟.

يعتبر الرجل بجسمه كائنا مستقلا، يتصل مع العالم اتصالا حرا، أما جسم المرأة فهو سبب عرقلة حركة صاحبته، ألم يقل أفلاطون:” الأنثى هي أنثى بسبب نقص في الصفات؟” ص06.

”إن الإنسانية في عرف الرجل شيء مذكر، فهو يعتبر نفسه يمثل الجنس الإنساني الحقيقي…أما المرأة فهي في عرفه تمثل الجنس الآخر”ص06.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:” كيف تمكن أحد الجنسين فقط من فرض نفسه كجوهر وحيد، منكرا وجود كل نسبية تربطه بالجنس الآخر، معرفا إياه بأنه الآخر صرف، ومن أين أتى للمرأة هذا الرضوخ؟”ص06.

ولو بحثنا في التاريخ وأوغلنا فيه نجد المرأة كانت دائما ملحقة بالرجل و”هذه التبعية ليست نتيجة حادث تاريخي وليست بالأمر الطارئ، مما يجعل من المرأة الجنس الآخر، بصورة مطلقة”ص07.

ويبرز في هذا الموقف سؤال آخر:

لماذا كان الرجل هو الرابح في البداية؟ لماذا كان هذا العالم دائما تابعا للرجال؟ ولماذا لم تأخذ الأشياء في التبدل إلا في هذه الأيام فقط؟ وهل هذا التبدل شيء حسن؟ وهل سيقسم العالم تقسيما عادلا بين الرجال والنساء؟

قال أحد أنصار المرأة:” كل ما كتب عن المرأة من قبل الرجال يجب أن يثير الشبهات لأنهم خصوم وحكام في الوقت ذاته، وقد سخروا اللاهوت والفلسفة والقوانين لخدمة مصالحهم”ص 08.

ولكن المسألة هنا تقتضي معرفة ما إذا كانت هذه الحال ستدوم؟.

فالمسألة النسائية استحالت إلى نزاع وخصام نتيجة لوقاحة الرجال، والإنسان حين يتخاصم يفقد ملكة المحاكمة، وإذا أردنا أن نناقش مسألة المرأة، علينا أن ننطلق من مفاهيم واضحة عند الرجل ومغيبة عند المرأة، كالتفوق والمساواة والنقص وأن ننطلق من جديد، ولكن كيف نطرح المسألة إذن؟ بل من نحن حتى نطرحها؟ فالرجال هم خصوم وحكام، والنساء أيضا هن كذلك، فأين نجد ملاكا يقوم بالمهمة؟ ومع ذلك تظل المرأة وتبقى هي الأنسب للمهمة، لأن المرأة تعرف جيدا عالم النساء فهي مرتبطة الجذور به وهي الأقدر على إدراك ما معنى أن يكون الكائن الإنساني امرأة.

والمسألة الثانية هي: أي تأثير في حياتنا نجم عن كوننا نساء؟ ماهي الإمكانيات التي أعطيت إلينا والتي منعت عنا؟ أي مصير يمكن لإخوتنا الصغيرات انتظاره وفي أي اتجاه يجب توجيههن؟.

1-معطيات علم الحياة:

تخلق المرأة في نفس الرجل اضطراب شديد، فنجده يبحث عن هذا التبرير في علم الحياة، من خلال طرح سؤالان هما:

-ماذا تمثل الأنثى في مملكة الحيوان؟.

– أي نوع خاص من الأنثى يتحقق في المرأة؟.

إن الذكر والأنثى نموذجان يتعاونان في سبيل التكاثر ويكون ذلك بالترابط، ولكن الآراء انقسمت واختلفت حول خصوصية دور كل من الجنسين في التوالد.

فهناك من يرى أن الأب ليس له دور في الحمل، وإنما روح الأجداد تدخل إلى بطن الأم بصورة بذرة حية، وحين حل النظام الأبوي أخذ الذكر يتمسك بذريته، ولما لم يكن بالإمكان إهمال كل دور للأم في التوالد فقد اعتبر أنها تحمل وتغذي البذرة الحية التي يقذفها الأب فقط، وحتى لما تم اكتشاف دور البويضة الإيجابي فقد حاول الرجال أن يقابلوا بين سكون البويضة ونشاط وحيوية الحيوان المنوي.

وهناك من يقول: بأن دوام النوع تؤمنه الأنثى والذكر ليس له سوى ظهور انفجاري، وهناك كذلك من يقول بسلبية الأنثى وأن الشرارة الحية تنبثق من التقاء خلية الرجل بخلية المرأة، ولكن الخليتين المؤنثة والمذكرة تتحدان معا وتذوب فرديتهما في عملية التمازج.

ولكننا نرفض الفكرة القائلة بأن البيولوجيا هي التي تقرر مصير المرأة نهائيا، فالمعطيات البيولوجية لا تجيب عن سؤال: لماذا بقيت المرأة جنسا آخر، والأسئلة الجديدة التي طرحت هي: أي الجنسين يلعب الدور الأهم في النوع؟.

يزعمون أن الفيزيولوجيا وحدها القادرة على الإجابة على هذا النوع من الأسئلة، والخطأ الذي ارتكبته الفيزيولوجيا هو قيامها بمقارنة رياضية بين الأعضاء المذكرة والمؤنثة وهذا لا يصح.

فلا يمكن لنا المقارنة بين الذكر والأنثى إلا من الزاوية الإنسانية، فالإنسان كائن يصنع نفسه بنفسه، فهو على حسب رأي ميرلوبونتي فكرة تاريخية وما المرأة إلا صيرورة على الرجل أن يواكبها في صيرورتها.

ولكن إذا تبنينا الزاوية الإنسانية التي تعرف الجسم باعتبار من الوجود، فإن البيولوجيا تصبح علما تجريديا، وليس بوسع البيولوجيا  الإجابة عن سؤال: لماذا تكون المرأة الجنس الآخر؟.

وبما أننا تبنينا الزاوية الإنسانية علينا معرفة ما فعلته البشرية  بالأنثى.

2-وجهة نظر علم التحليل النفسي

تدور المأساة الإنسانية عند المرأة في مركب النقص ويقصد به الهروب من تجربة الواقع خشية أن لا تتمكن من التغلب عليه، فيترك الشخص مسافة بينه وبين المجتمع.

ويتخذ مركب النقص عند المرأة شكل الرفض المخجل لأنوثتها فالمكان الذي يحتله الأب في الأسرة والأفضلية العامة للذكور والتربية… كل شيء يوطد فيها فكرة الذكور، ويؤكد وضع المرأة تحت الرجل خلال عملية الجماع، وذلك لإذلالها من جديد، ولكن بفضل الأمومة تجد في طفلها ما يعيد التوازن ويكسبها نوعا من الاستقلال.

ولكن لا يكفي القول: إن المرأة هي أنثى ولا يمكن أيضا تعريفها على أساس الشعور الذي يمتلكها بأنوثتها، وبالتالي مدرسة التحليل النفسي تفشل بصورة خاصة في أن تفسر لماذا تكون المرأة الجنس الآخر؟.

لذلك نرفض طريقة التحليل النفسي مع اعترافنا أن بعض ملاحظاتها ذات نفع. فالمرأة تختار بين دورها كغرض وكطرف آخر، وبين مطالبها في الحرية، ونحن ندرس المرأة من زاوية وجودية من خلال وضعها الكلي.

3-وجهة نظر المادية التاريخية

تركز على الاقتصاد وتربط اختلاف الرجل عن المرأة وسيطرة الرجل إلى الأوضاع الاقتصادية للمجتمع.

ترى هذه النظرية أن شعور المرأة بذاتها لا تحدده غريزتها الجنسية وحدها وإنما يعكس وضعا يتعلق بالتكوين الاقتصادي للمجتمع.

تتميز المرأة من الناحية البيولوجية بصفتين الأولى، أن نطاق تملكها للعالم أضيق من نطاق تملك الرجل، والثانية أنها تخضع أكثر لمستلزمات النوع، أي ذكر، وأنثى تصنف على هذا الأساس.

هذه الوقائع تكتسب قيمة مختلفة في النظرية المادية التاريخية وذلك بربط هذه القيم بالحالة الاقتصادية الاجتماعية.

فالتكوين الاقتصادي للمجتمع يعبر عن درجة تطور الإنسانية الفتي، فالإنسانية مثلا، لا تحدد القدرة أو التمكن من العالم بالجسم المجرد أبدا، فقد تكون المرأة عاجزة عن تحريك أداة ثقيلة فيبدو عجزها واضحا بالنسبة إلى الرجل، إلا أن التطور الفني قد يلغي الفارق العضلي الذي يميز الرجل عن المرأة فتصبح معادلة له في العمل.

يعرض لنا أنجلز عدة مراحل تاريخية مرتبطة بالمرأة، ففي العصر الحجري، كانت الأرض ملك لجميع أفراد القبيلة، كانت قدرة المرأة كافية للعمل في الزراعة والبستنة، وكانت الأعمال تقسم بالتساوي بين الرجل والمرأة دون الأخذ في ذلك أية اعتبارات،”الرجل يصطاد والمرأة تبقى في المنزل حيث تقوم ببعض الأعمال الإنتاجية، كالنسيج والبستنة وغيرهما، وبالتالي كان لها دور كبير في الحياة الاقتصادية” ص25.

ومع نضج وعي الفرد واكتشافه للمعادن واختراعه للمحراث، توسع مجال الاستثمار على نطاق واسع، مما أدى إلى ظهور الملكية الفردية فأصبح بإمكان الرجل أن يصبح سيدا للأملاك وأصبحت المرأة من أملاكه أيضا. وهذا هو على حد تعبير سيمون دي بوفوار” الانكسار التاريخي الكبير للجنس النسائي”ص25.

ونستطيع تفسير هذا الانكسار والإخضاع بالثورة الصناعية التي حدثت مما جعل الرجل يستحوذ على حصة الأسد، نتيجة لاختراع وسائل جديدة، وأصبح العمل المنزلي الذي كان يضمن استقلالية المرأة، يمنح للرجل سيطرة أكثر، فقد صار هذا العمل المنزلي الذي التصق بالمرأة لا يعد سوى قيمة ثانوية أمام عمل الرجل الجديد كونه المنتج.

وهذا ما أدى إلى ظهور الأسرة الأبوية القائمة على الملكية الفردية، في مثل هذه العائلة أصبحت المرأة مضطهدة،” أما الرجل المتربع على عرش السيادة فأباح لنفسه التقلب مع الهوى وبالإماء”ص25.

فتغدو الخيانة بمثابة انتقام ووسيلة المقاومة الوحيدة للمرأة ضد عبوديتها المنزلية، ويرى أنجلز أن هذا الاضطهاد الاجتماعي ناتج عن استعبادها الاقتصادي، ولا يمكن للمرأة أن تتحرر إلا حينما تستطيع الإسهام إلى حد كبير في الإنتاج ولا يستدعيها العمل المنزلي إلا بصورة طفيفة، وهذا لم يصبح ممكنا إلا ضمن مجتمعات الصناعة الكبرى الحديثة التي لا تفسح المجال لعمل المرأة فحسب، بل تتطلبه بصورة ملحة.

إن النظرية الأبوية الرأسمالية  قد منحت حقا أكبر للرجل مقابل المرأة وهي بالتالي تحول دون تحقيق المساواة في العديد من الدول.

أما النظرية الاشتراكية، فبحلولها على مجتمع يصبح مجتمعا اشتراكيا، ولن يكون هناك رجال ونساء، بل عمال متساوون في كل شيء.

إن دعوة أنجلز غير تامة، وغير مقنعة لأنها تتطلب الكثير من الشرح والتفسير لأن الحقائق التي يكتشفها تبدو محتملة لأنه لم يتعمق فيها ويدعمها بشواهد، وبهذا نتجاوز النظرة المادية التاريخية التي لا يمكنها تقديم الحلول للمسائل التي عيناها، لأنها مسائل تهم الإنسان كله، وليس مفهوم إنسان الاقتصاد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إذا ناقشنا الأفكار التي جاءت بها المادية التاريخية نجدها غير مكتملة مثلا: إذا كان اضطهاد المرأة هو وليد الملكية الفردية، من جهة المجهود العضلي المحدود للمرأة حسب رأي أنجلز، فهذا صحيح لكنه أغفل أن طموح الرجل كان يبرز من كل آلة مطالب جديدة وأن عجز المرأة في اللحاق بطموح الرجل أدى إلى خرابها، مما جعل الرجل يستحوذها، وهذا لا يكفي لتفسير الاضطهاد أيضا، كان ممكنا تقسيم العمل بين الرجل والمرأة في علاقة ودية، وماكان هناك استعباد أصلا، فهذا الأخير هو نتيجة لجبروت الشعور الإنساني الذي يبحث عن تحقيق سيادته بصورة فعلية، ولو لم يكن في المرأة صفة الجنس الآخر أصلا، لما كان في وسع اكتشاف آلة أن تقود إلى اضطهاد المرأة.

لذلك ينبغي تجاوز هذه النظرة التي لا ترى في الرجل والمرأة سوى كيانات اقتصادية، وكذلك لأنها لم تجاوب عن سؤال: لماذا يطلق على المرأة مصطلح الجنس الآخر؟.

4-نظرة تاريخية

ذكرنا سابقا كيف نشأ الصراع بين الذكر والأنثى، من ناحية النوع والجنس، والوضع الطبقي فتصارع هذين الجنسين كان يخلق عداوة بينهما، فكل نوع يسعى إلى بسط هيمنته وسلطته على الآخر وإبقاء الآخر مضطهد.

وطبيعي أن يكون للرجل إرادة التحكم في المرأة، ولكن ما الامتياز الذي أتاح له تحقيق هذه الإرادة؟.

اختلفت المعلومات الخاصة بعلم الأجناس البشرية اختلافا كبيرا وواضحا، فمن الصعب أن تشكل صورة ذهنية حول واقع المرأة ووضعها في الفترة التي سبقت مرحلة الزراعة، وكذلك نحن نجهل كيف كان شكلها سابقا، وهل نمو عضلاتها وجهازها التنفسي كان مساويا لنمو عضلات الرجل وجهازه التنفسي، فقد كانت تقوم بالأعمال الشاقة في حين كان يعهد إلى الرجال مهمة الدفاع عن القافلة.

كذلك إلى أن النساء” كن في كثير من الحالات من القوة، بحيث كن يساهمن في الحملات الحربية ويبدين من ضروب الشجاعة والقسوة ما يضاهي الرجال”ص36.

ومهما كان من أمر قوة المرأة آنذاك فإن واجبات التناسل كانت تشكل بالنسبة إليها عائقا كبيرا وكان من شأن تكرر الحمل والوضع أن يأخذ أكبر قسط من قوتهن ووقتهن.

قديما كانت شروط الحياة صعبة تتطلب من المرأة أن تنجب وتحافظ على النوع، وهذا جعلها تخلق حاجات متزايدة بإنجابها الأطفال إنجابا متواصلا في حين كانت مسؤولية الرجل أن تخلق توازنا بين تكاثر النسل والإنتاج.

وبالتالي، كان دور المرأة هو المساهمة على الحفاظ على الجنس البشري وبفضل مساعدة الرجل كان يكلل هذا المجهود بالنجاح.

ومع كل ذلك لم تسمح الإنسانية للمرأة بالارتقاء رغم المجهودات المهمة التي تبذلها في صنع الرجل الحربي والغذائي، فالإنسانية بطبعها تميل إلى المجاوزة وتجنح إلى الارتقاء.

ورغم مساهمة الرجل في الحفاظ على النوع إلا أن المرأة تبقى أكثر ارتباطا به، وتبقى في مرحلة الأمومة والحمل مقيدة بجسمها مثل الحيوان، وهذا كان بمثابة عامل ضعف للمرأة مما جعل هذا الموقف من الرجل سيدا أمام المرأة، فهو يسعى إلى قهر قوى الحياة المتخبطة وإخضاع الطبيعة والمرأة.

وهذا الوضع يقودنا إلى تساؤل آخر هو: ”كيف تخلد هذا الوضع وتطور خلال العصور؟، وما هو المكان الذي خصصته الإنسانية لأحد جزئياتها، هذا الجزء الذي تحدد ضمن ذاتها كجنس آخر؟ ماهي حقوقه المسلم بها؟ وكيف حددها الرجال؟” ص 39.

كان انخفاض قيمة المرأة مفروغ منه، فقد شكل مرحلة حتمية في تاريخ الإنسانية، لأن المرأة كانت تجسد الألغاز المقلقة والكامنة في الطبيعة، والذي سمح للرجل بغزو الأرض والتمكن من ذاته، هو الانتقال من العصر الحجري إلى العصر البرونز.

كان سحر المرأة المجسد في الأم والأرض، نقطة ضعف الرجل التي تربطه بالطبيعة، وكان هذا السحر في أعين الرجال يأتي من الرجال أنفسهم، فهم يركعون أمام ذلك الجنس الآخر، ويعبدون الآلهة الأم، ولكن هذه الآلهة مهما بلغت من القوة تبقى وليدة مفاهيم من صنع الرجال.

نجد تأليه المرأة كان مرتبطا بالرجل المزارع أكثر، أما الرجل الصانع فلم تكن المرأة معبودته إلا عبادة خوف، فلم تكن عبادة حب، ولم يكن بوسعه استكمال ذاته إلا بتحريرها من صفاتها الألوهية، لذلك أخذ يعتبر المبدأ المذكر، التذكير أساس القوة المبدعة والنور والفهم والنظام.

فظهر إلى جانب الآلهة الأم، إله ذكر كان يشبهها ويشترك معها في عدة صفات، وبعد ذلك خلعت الأم الكبرى عن عرش الألوهية وأصبح الإله الذكر هو الأساس، ومن هنا بدأت سيطرة الأبوة أو البطريكية، وتبقى المرأة الجنس الثانوي الآخر، فمكان المرأة في المجتمع لم يكن إلا المكان الذي خصصه الرجال لها، ولم تفرض في أي زمن من الأزمان قانونها الخاص بنفسها.

أصبحت المرأة في المجتمع الأبوي العبدة والخادمة والتابعة للرجل، الذي ازدادت سيطرته وسلطته رسوخا، إذ يعلن قائلا:” ليست الأم هي التي تحدث ما يسمى طفلها، فهي ليست سوى مغذية للبذرة الموضوعة في أحشائها، أما الرجل وحده، فهو الذي يحدث الطفل”ص45.

هذا ما جعل المرأة عبدة تكرس للإنجاب والأعمال الثانوية وخدمة الرجل، إضافة إلى ذلك فقد أصبحت تشكل خطرا على الرجل في قمة المجتمع الأبوي فشعورهم بالخوف منها جعلهم يضطهدونها فتحولت من مقدسة إلى مدنسة.

فالمرأة إذن، تعني السلبية المعاكسة للنشاط والتعدد المهدد للوحدة والمادة المقاومة للقاعدة، والفوضى المناوئة للنظام.

ولكن كيف تمكن الرجل من جعل المرأة رفيقته وخادمته في نفس الوقت، هذه مسألة حاولوا حلها بأشكال مختلفة خلال العصور مما أحدث تطورا في مصير المرأة.

كان اضطهاد المرأة يرجع إلى الرغبة في تخليد الأسرة والمحافظة على الأملاك فبقدر ما تتحرر المرأة من الأسرة تتحرر من التبعية، يقول أرسطو:” إن المرأة مرأة لنقص فيها، وعليها أن تلزم بيتها كتابعة لزوجها”ص49.

ومع تطور الحياة وظهور المسيحية أصبح للمرأة دور ثانوي في العبادة، أما في الزواج، فتكون تابعة له، فكما الكنيسة تابعة للمسيح عيسى على المرأة أن تكون تابعة لزوجها.

يقول القديس أمبراوز:” سارت حواء بآدم نحو الخطيئة ولم يسر آدم بحواء نحوها، من قادته المرأة إلى الخطيئة من حقه أن يستقبل استقبال الأسياد”ص50.

القس هنا يحذر الرجال من خطر المرأة، ويجعلها قاصرة دون حقوق، فلا يحق لها الشكوى ولا تقبل شهادتها.

أما وضع المرأة في مجتمع البرابرة، كانت المرأة دائما تحت الوصاية إلا أنها كانت تشترك مع الرجال اشتراكا وثيقا في حياة الأسرة.

أما في القرون الوسطى، كانت المرأة محمية من القانون ولكن على اعتبارها أنها ملك الرجل وأما لأطفاله، أما كشخص، فلم يكن لها أي حق وأما كأم فكانت تساوي أكثر من الرجل، فالمرأة الولود مثلا تساوي ثلاثة رجال، والمرأة العاقر ليس لها أية قيمة.

في العهد الاقطاعي لم تكن تحس هذه الحضارة إلا بالازدراء اتجاه المرأة، ”فالفارس لا يهتم بالمرأة بل يفضل عليها حصانه…وفي الملاحم الشعرية ترى النساء يقمن هن بالمبادرة”ص52.

تبقى المرأة مقيدة وتابعة للرجل خاصة في حالة الزواج، لذلك بقيت سلطة الزوج بعد زوال النظام الاقطاعي لئن كان الزوج وصي الزوجة في عهد الإقطاع، فإن البرجوازية حافظت حين تشكلها على نفس القوانين.

لم تتحرر المرأة بفضل النظام الاقطاعي ولا بفضل الكنيسة بل بالأحرى ابتدأ الانتقال من الأسرة الأبوية  إلى الأسرة الزواجية المشتركة الصحيحة اعتبارا من الرق.

فالرق لم يكن يملك إلا زوجة تشاركه وتقاسمه عناء الحياة ولم يكن الرجل يتسلط على المرأة لأنها لا تملك شيئا ولما ألغى الرق لم يبق إلا الفقر، والمرأة في مثل هذه الحال لا يمكن أن تكون إمتاعا ولا خادما لأن هذا بذخ لا يتاح إلا للأغنياء، ففي العمل الحر، تحصل المرأة على استقلالها الفعلي لأنها تعود إلى احتلال دور اقتصادي واجتماعي.

وفي القرن السادس عشر جمعت كل القوانين الباقية خلال النظام الملكي القديم، فكانت كل الاتهامات التي توجه إلى المرأة كالحماقة والضعف قد اتخذت أساسا لتبرير نصوص القوانين الموجهة ضد المرأة، فالمرأة الفرنسية كانت تبدو خادمة للرجل أكثر، من كونها رفيقته.

ولم يكن حالها أحسن في البلدان الأوربية الأخرى، فكل البلدان كانت تطبق في حق المرأة الملكية الفردية والأسرة وتخضع لمستلزمات هذا النظم.

كان من نتيجة استعباد المرأة الشريفة في كل هذه المجتمعات وظهور بائعات الهوى واللاتي كان لهن دور أساسي في المجتمع، قال أحد مؤرخي الأخلاق الأوربية، ليه كي:” البغايا أعلى نموذج للفجور وأنشط حراس الفضيلة”، فالبغايا مجبرات مثل اليهود في ألمانيا النازية، على ارتداء أثواب مميزة تحمل إشارات خاصة، ص55.

وفي ظروف كهذه تصبح المرأة:”من النادر جدا أن تظهر، ففي الطبقات العاملة، يلغي الاضطهاد الاقتصادي التمييز بين الجنسين، إلا أنه يقضي على كل أمل للشخص مهما يكن جنسه، أما عند النبلاء والبرجوازيين، فالمرأة مضطهدة كجنس، وبصفتها جنسا آخرا، ليس لها إلا وجود طفيلي فهي محدودة التعليم وينبغي حدوث ظروف استثنائية لتفكر في هدف ملموس تحققه”ص 55.

ومن خلال هذه الملاحظات نرى أن القليل من الرجال كانوا يقفون في صف المرأة، ومن أبرزهم الرجال الفقراء الذين كانوا يتساوون في كل شيء مع أزواجهن.

وفي القرن الخامس عشر طالبت كرستين دوبيزان بالسماح للنساء بالتعلم، إلا أن هذا الطلب لم يلق الصدى وضع المرأة مضطهد  حتى مطلع القرن التاسع عشر، فالحركة الإصلاحية التي ظهرت في هذا القرن كانت مؤيدة للحركة النسائية، لأنها تبحث عن العدالة ضمن المساواة، فلما كانت الثورة الصناعية تتطلب يدا عاملة كثيرة لا يستوفيها الرجال وحدهم أصبحت هنا مساهمة المرأة ضرورية، وهذه هي الثورة الكبرى التي حولت مصير المرأة، وفتحت لها آفاق جديدة وعهد جديد، لكن المرأة استغلت في سبيل بحثها عن العمل والمساواة، استغلت استغلالا بشعا، فقد كان أرباب العمل يفضلن النساء على الذكور لسبب وجيه مفاده أن النساء ” يعملن خيرا من الرجال بأجور أخفض”ص62.

ومن خلال هذه النظرة التاريخية نستنتج النقاط التالية:

1-أن تاريخ المرأة كان من صنع الرجل.

2-كانت مسألة المرأة دائما مسألة الرجل.

3-الرجل يمسك بمصير المرأة دائما بيديه.

4-لم يقدسوا الآلهة الأم إلا لأنهم كانوا يخشون الطبيعة.

5-الثورة الصناعية هي التي حررت النساء اليوم.

6-الحركة النسوية لم تكن في يوم من الأيام حركة مستقلة، كانت إلى حد ما أداة في أيدي السياسيين.

7-العقائد التي تعتبر المرأة كجسد وجنس آخر هي عقائد ذكور لا تعبر عن مطالب المرأة.

فالنساء لا يزلن إلى الآن في حالة التبعية، وينجم عن ذلك أن المرأة تعرف نفسها وتختار لنفسها لا على أنها موجودة بذاتها، بل كما يحددها الرجل.

وأخيرا نود الإجابة عن عنوان المقال الذي جاء في صيغة سؤال: هل تكفي الأنوثة لتعريف المرأة؟

وقد أعقبت سيمون دي بوفوار عن هذا السؤال من خلال قول الفيلسوف أوغست كونت، فبالنسبة إليه تعتبر الأنوثة طفولة مستمرة تبعد المرأة عن النموذج المثالي للعرق، بدعوى أن هذه الطفولة البيولوجية تقود إلى ضعف فكري، والدور الوحيد لهذا الكائن العاطفي المنفعل هو دور الزوجة وربة البيت، فلا يمكنها بشكل من الأشكال أن تنافس الرجل.

وترى الفيلسوفة الوجودية سيمون دي بوفوار أن قضية المرأة تأثرت بالأفكار التي تشيد بالمرأة وباسم أنوثتها وتأبى أن تشبهها بالرجل، بل تقر لها بالحدس والعاطفة دون العقل.

 

حقوق الصورة البارزة