مفاتيح بلوم من سلسلة كيف تنتقي كتابا من مكتبة

تبدو التجربة الشخصية في عالم القراءة أبلغ في كشف طقوسها وسبر أغوارها من المقاربات و المنهجيات ذات النمط الأكاديمي الصرف. وبما أن القراءة فعل إنساني فإن التحرر من القيود المسبقة و التمثلات الجاهزة شرط حيوي لتحقيق المتعة الذاتية، والإمساك بالمفاتيح الخمسة التي تجعل منك قارئا أصيلا

يعرض هارولد بلوم ، الناقد المرموق و أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة ييل ، لخمسة مفاتيح تُمكنك من استعادة القراءة، لا باعتبارها مشروعا تربويا أو تعليميا، وإنما بكونها تدريبا عمليا على حياة العزلة. ففي مقدمة كتابه (كيف نقرأ ولماذا؟) يدعوك بلوم للتحرر أولا من القراءة المهنية السائدة في مدرجات الجامعة، ثم استرجاع الوضع الرومانسي السابق تجاه الكتب، حين كانت القراءة أعظم المتع الشافية.

مفاتيح بلوم الخمسة:

المفتاح الأول لولوج عالم القراءة الأصيلة يعبر عنه المؤلف بقوله “طهر ذهنك من اللغو”، في إشارة إلى الثقافة الأكاديمية التي تحدّ من التميز والتجاوز، وتجرد القراءة من حسّ المعارضة.

أما المفتاح الثاني فهو اعتبار القراءة مدخلا لإصلاح الذات، وتقوية النفس والتعرف على اهتماماتها الأصيلة. وهو مشروع كبير سيشغلك بالتأكيد عن السعي لإصلاح جارك بما قرأت ! وفي رحلة التصفح هاته لا توجد أخلاقيات خاصة بالقراءة. كلّ ما عليك فعله هو الاحتفاظ بالعقل في حالة هدوء حتى يتطهر من جهله البدائي، ويحقق ميلاده الثاني الذي يعزز ثقتك بنفسك.

ومع التقدم في تجربة القراءة تلوح مؤشرات الأنانية والانصراف الكلي إلى الذات القارئة وتطلعاتها. هنا يدعم المفتاح الثالث هذا الإحساس باعتباره ضرورة لكل قارئ أصيل حتى يصير بحق منارة للآخرين. فكل قارئ هو شمعة سيضيئها حب وتطلعات البشر.

ويعكس المفتاح الرابع شخصية القارئ الجيد الذي ينبغي أن يكون مبتكرا، بمعنى ألا تعترض المقاييس والمعايير السائدة سبيله للفهم. للقارئ حرية تخطي الأحكام السائدة، والاستئناس فقط بالقوة المعرفية التي تمنحه إياها القراءة.

أما المفتاح الخامس والأخير فيحدد أهم مكسب للقراءة الأصيلة، والمتعلق باستعادة السخرية التي تمنحنا قدرا من الانتباه وقبول الآراء المتناقضة. إنها أصدق تعبير عن التفرد وعدم الانسياق خلف نظام حازم يجعل من الذوات نسخا مكرورة وباهتة. يقول بلوم: “إنك لا تستطيع أن تعلم أحدا كيف يكون ساخرا أكثر من أن تعلمه أن يصير متفردا. إن فقدان السخرية هو موت للقراءة، وموت الجانب المتحضر في طبائعنا”.

في ارتباط بالمفاتيح الخمسة سعى بلوم لإضاءة جوانب نفسية مرتبطة بالقراءة. منها على سبيل المثال تلك الردود الأولية إزاء كتب بعينها، والتي تقف عائقا أمام مواصلة القراءة. هنا يدعو بلوم إلى عدم الثقة أو الاستسلام قائلا :” يمكنك أن تكون أعظم القراء خبرة وتجربة في العالم، وقد تكون أبرع قارئ في العالم، ولكنك لا تستطيع بالضرورة أن تثق في ردودك أفعالك الأولية”.

ومن المرامي الهامة التي حددها المؤلف للقراءة الجيدة أنها البديل الممتع لاستحالة التعرف على ما يكفي من البشر. فنحن نقرأ، يقول بلوم، ليس فقط لأننا لا نستطيع أن نعرف عددا كافيا من الناس، بل لأن الصداقة عرضة لأن تتغير”.

تلك هي المفاتيح الخمسة التي عرضها بلوم باختصار شديد، واهتم من خلالها بالتحرر من التقاليد الجامعية، إيمانا منه بأن القارئ الجيد متحرر من كل شيء حتى من طغيان الزمن. ولعل أنسب مقولة تلخص ما ذهب إليه بلوم هي نصيحة فرنسيس بيكون الشهيرة: “اقرأ لا من أجل المعارضة والنقض، ولا من أجل الإيمان و التسليم، ولا من أجل السعي إلى المجادلة و الحوار، ولكن لكي تزن الأمور وتمعن النظر فيها”.