أساليب القراءة

من سلسلة كيف تنتقي كتابا من المكتبة

 

هل يمكن القول أن هناك وصفة سحرية تنقلك على نحو مفاجئ من دائرة الخمول إلى التحصيل والقراءة المثمرة، أم أن ما تضجّ به عشرات الكتب التي تتناول هذا الموضوع لا يعدو أن يكون انطباعات وآراء شخصية، لا تراعي الفروق الفردية والتفاوت بين الناس في التحصيل والقدرات؟

إن منظورنا للقراءة يتحكّم بشكل كبير في الأسلوب الذي ننتهجه. فقد يكون مراد القارئ منها تحصيل المتّعة لا غير، وفي هذه الحالة تبدو بعض الأساليب غير ذات جدوى لأن الفرد هنا لا يطمح للتأثير أو صياغة رؤى وأفكار تسدّد خطوات المجتمع.

وقد يكون مراده التخلّص من تبعات بحث جامعي أو دراسة أكاديمية، فينتهج أسلوب انتقاء ما يلزمه، ثم يقطع رحم المكتبة إلى الأبد. وتلك إحدى أبرز مآسي المجتمعات العربية اليوم، نتيجة التصور الخاطئ لوظيفة الكتاب في المناهج التعليمية.

وقد يكون مراده حقاً أن يستلهم القراءة أسلوبَ حياةٍ، وعنصرا مؤثرا في توجيه آرائه وقراراته. وهنا يشرع في البحث عن خطة ما تيسر له ولوج عالم الكتاب، وتحقق له التدرج المطلوب. في هذه الحالة تكتسي الأساليب القرائية أهميتها لتُمكنه من تصويب ممارسته القرائية .

تبدأ الرحلة إذن باقتناء الكتب أو استعارتها. وهنا يحتاج القارئ كما ذكرنا في الحلقة السابقة إلى فن التصفح أو القراءة الاكتشافية التي تيسر له الحصول على الكتاب الجيد.

إن النزعة التجارية التي تتحكم في أغلب دور النشر تولد عنها ما يمكن أن نسميه بفقاعات المطابع ، أي تلك الكتب التي يتم التسويق لها، والمبالغة في الإشادة بها عبر وسائل الإعلام المتعددة، ثم يكتشف القارئ أنها عديمة النفع، ولا تساوي ثمن الحبر الذي خُطت به.

ومن اليافطات المخادعة التي تجتذب القراء عبارة: الكتاب الأكثر مبيعا، أو الكتاب الذي ترجم إلى خمسين لغة.. إلخ . وتحتها تقريظ للناشر وبعض الصحفيين يؤكد لك أنك ستجد هنا ما لم يسبق لعين أن رأته ولا لأذن أن سمعته، ولا خطر بفكر آدمي قبل الآن. تلك ألاعيب تخلق مزيدا من الحيرة، وأحيانا تكون السبب وراء الإقلاع عن القراءة حين يشعر المرء بالخيبة.

الأسلوب الاكتشافي

بتبنيك الأسلوب الاكتشافي يسهل عليك تحديد الكتاب الجيد وسط أكوام من الكتب الرديئة و”الفقاعات” الزاهية. فتحقق الاستجابة لأولوياتك ، وتضمن استمرارية مشوارك القرائي.

الأسلوب الانتقائي

يعتمد القارئ كذلك أسلوبا انتقائيا حين يكون الغرض من القراءة توسيع الإلمام بمحور معرفي محدد، وهذا الأسلوب يرفع من وتيرة القراءة ويزيد من فاعليتها بعد أن يثري القارئ معجمه، ويضاعف حصيلته من المعلومات والأفكار. غير أن المعارف ليست ذاتية ومستقلة، بل تؤثر وتتأثر بالعلاقات التي تربطها ببعضها البعض، مما يُلزم القارئ بتنويع الحقول المعرفية ضمانا لاستيعاب جيد لما يدور حوله.

الأسلوب التحليلي

بعض الكتب المميزة تفرض على القارئ أسلوبا تحليلياً يرتقي من خلاله إلى أفق الكاتب، ويتوغل في المضامين بروية وحذر، لاستكناه الخلفية الثقافية للكاتب، ومحاورة أفكاره ورؤاه، ثم محاولة نقد ومساءلة جوانب القصور في أطروحته. طبعا هذا الأسلوب يُلزمك ببذل جهد إضافي، فلا يمكنك مسح الصفحات بسرعة، أو التنقل بخفة بين الفقرات والفصول.

الأسلوب المحوري

وحين يكون هَم القارئ الوقوفَ على معلومات وأفكار متعلقة بموضوع معين، فإن الأسلوب الأنسب للتعاطي مع الكتب يظل هو الأسلوب المحوري، حيث تتلخص القراءة هنا في تحديد المناطق المهمة من الكتاب، وحصر الفقرات المرتبطة بالموضوع دون غيرها. إنها ليست قراءة بالمعنى المألوف بقدر ما هي مسحٌ سريع أو رفرفة فوق النصوص!

يظلّ لكل قارئ حضوره الخاص، وبصمته المميزة في عالم القراءة. غير أن بعض التجارب  تستحق الإنصات إليها لحفز النفس والعقل على مواصلة المسير. وفي الحلقة المقبلة سنقف على تعاليم فريدة لبعض مشاهير القراء!