إن وحي الكتابة لكل واحد منا قد يأتي في أوقات مختلفة، إلا أن روّاد هذا الفن نصحوا بأوقات محددة، فإليك عزيزي الكاتب وعزيزتي الكاتبة.

اوقات الكتابة المناسبة

بكل تأكيد أنه ليس هناك اتفاق على موعد محدد للكتابة، ولكن تخير الوقت المناسب الذي يشعر فيه الكاتب بالراحة الجسدية والنفسية والفكرية مبدأ هام يكاد يجمع عليه الباحثون والكتاب من الشرق والغرب.

وربما كان أنسب الأوقات الصباح الباكر بعد الفجر لمن اعتاد على النوم مبكرًا فأخذ قسطًا من الراحة، وبعض الكتاب يمارسون نشاطهم الإبداعي في جوف الليل حيث تتوفر السكينة، ويخلو المرء إلى نفسه فيستصفي زبدة أفكاره ومشاعره، ويتخير لها من العبارات والألفاظ ما يمكنه من التعبير عنها في هدأة السكون!

وقد وضع أحد علمائنا من السلف قواعد هامة في هذا المجال في صحيفة مشهورة هي صحيفة بشر بن المعتمر، وقد عمدت إلى إثبات أهم ما جاء فيها في نهاية هذا البحث.

ويرى بعض العلماء أنه لا بد من مرور اثنتي عشر ساعة بين الفراغ من المسودة الأولى، ومحاولة إعادة الكتابة مرة ثانية.

ويقرر ابن رشيق القيرواني في كتابه “العمدة” في الفصل الذي عقده لعمل الشعر وشحذ القريحة؛ لأنه لا بد للشاعر وإن كان فحلًا، حاذقًا، مبرزًا من فترة  تعرض له إما لشغل يسير أو موت قريحة أو نُبو طبع في تلك الساعة أو ذلك الحين.

ويؤكد ذلك الفرزدق الشاعر الأموي المعروف إذ يقول: “تمر عليّ الساعة وقلع ضرس من أضراسي أهون علي من عمل بيت من الشعر”.

وقال ابن قتيبة العالم الأديب: وللشعر أوقات يسرع فيها أتيه، ويسمح فيها أبيُّه والمقصود يأتيه ما ينثال على الخاطر والوجدان منه، والأبي المستعصي، منها أول الليل قبل تغشي الكرى قبل النوم ومنها صدر النهار قبل الغداء، ومنها الخلوة في الحبس  .

 

ويشير أبي تمام في بيت مشهور له إلى أنسب أوقات الكتابة فيقول:

خذها ابنة الفكر المهذَّب في الدجى … والليل أسود رقعة الجلباب

ويعقب على ذلك بعض الباحثين فيقول: فإنه خص تهذيب الفكر بالدجى ليكون الليل تهدأ فيه الصوات وتسكن فيه الحركات، فيكون الفكر فيه مجتمعًا ومرآة التهذيب فيه صقيلة، لخلو الخاطر وصفاء القريحة، لاسيما وسط الليل.

ومن نصائح أبي تمام للبحتري ما روى عنه البحتري حيث قال: كنت في حداثتي أروم الشعر، وكنت أرجع منه إلى طبع سليم، ولم أكن وقفت له على تسهيل مأخذ، ووجوه اقتضاب حتى قصدت أبا تمام، وانقطعت إليه، واتكلت في تعريفه عليه، فكان أول ما قال: “يا أبا عبيدة تخير الأوقات وأنت قليل الهموم، صفر من الغموم”  .

 غير أن هذا كله- على الرغم من أهيمته- يصدق على الكتابة الإبداعية في الغالب، أما الكتابة الإجرائية فلا يمكن التحكم في وقت مخصوص لها؛ لأنها عمل وظيفي تدفع إليها الظروف في أي وقت من الأوقات، وهي لا تحتاج إلى استشارة للقرائح، ولا تحريض لملكة الكتابة؛ لأنها تسير وفق قواعد مقررة، وأصول معروفة.

أوقات الكتابة من صحيفة بشر بن المعتمر

خذ من نفسك ساعة نشاطك وفراغ بالك وإجابتها إياك، فإن قليل تلك الساعة أكرم جوهرًا، وأشرف حسبًا، وأحسن في السماع، وأحلى في الصدور، وأسلم من فاحش الخطأ، وأجلب لكل عين وغرة من لفظ شريف، ومعنى بديع.

واعلم أن ذلك أجدى عليك ما يعطيك يومك الأطول بالكد والمطاولة والمجاهدة، وبالتكالف والمعاودة، ومهما أخطأك لم يخطئك أن يكون مقبولًا قصدًا، وخفيفًا على اللسان سهلًا، وكما خرج من ينبوعه ونجم من معدنه، وإياك والتوعر، فإن التوعر يسلمك إلى التعقيد والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك ويشين ألفاظك، ومن أراغ معنى كريمًا، إن حق المعنى الشريف اللظف الشريف، ومن حقهما أن تصونهما عما يفسدهما ويهجنهما، وعما تعود من أجله أن تكون أسوأ حالًا منك قبل أن تلتمس إظهارهما، وترتهن نفسك بملابستهما وقضاء حقهما.

فكن في ثلاثة منازل، فإن أولى الثلاث أن يكون لفظك رشيقًا عذبًا، وفخمًا سهلًا، ويكون معناك ظاهرًا مكشوفًا، وقريبًا معروفًا، أما عند الخاصة إن كنت للخاصة قصدت، وإما عند العامة إن كنت للعامة أردت، والمعنى ليس يشرف بأن يكون من معاني الخاصة، وكذلك ليس يتضح بأن يكون من معاني العامة، وإنما مدار الشرف على الصواب وإحراز المنفعة، مع موافقة الحال، وما يجب لكل مقام من المقال.

وكذلك اللفظ العامي والخاصي، فإن أمكنك أن تبلغ مع بيان لسانك وبلاغة قلمك، ولطف مداخلك، واقتدارك على نفسك إلى أن تفهم العامة معاني الخاصة، وتكسوها الألفاظ الواسطة التي لا تلطف عن الدهماء ولا تجفو عن الأكفاء، “فأنت البليغ التام”.

هذ النص التراثي المتميز يتضمن توجيهات قيمة للكاتب تتمثل في:

1. ضرورة اختيار وقت الكتابة في ساعات النشاط وهدوء البال.

2. البعد عن التكلف والتماس الغرابة؛ لأن ذلك يؤدي إلى التعقيد المستكره.

3. ضرورة اختيار اللفظ الرشيق البسيط والمناسبة بين المقال والمقام.

4. التوسط والاعتدال، وهو ما يمكن أن نسميه السهل الممتنع.

الآن، أخبرنا هل تناسبك هذه الأوقات لانطلاق يراعك في الكتابة؟ هل لديك أوقات تفضلها أكثر؟ أخبرنا عنها.

 

جميع حقوق الصور البارزة لــpexels

اترك تعليقاً

  1. محمد العجيلي 28 أكتوبر، 2017 at 9:49 ص - Reply

    لاشك أن الكتابة نوعان ..كتابة صناعة وكتابة إبداع أما الصناعة فتكون في كل وقت أما كتابة الإبداع فلا بد لها من وقت وطقس خاص ومزاج

مقالات مشابهة