إسلام المجددين

( إسلام المجددين ) لمحمد حمزة هو في الأصل حُزمة مقالات متفرقة، يجمع بينها التعبير عن مجموعة من الرؤى الساعية إلى تجديد الفكر الإسلامي، والتأسيس لمشروع يُحرر المسلم المعاصر من هيمنة القراءة الواحدة، والمؤسسة الدينية الواحدة، والفقيه الواحد !

على امتداد مقدمة وثلاثة فصول، يعرض المؤلف لخصائص ما يسميه بـ إسلام المجددين ، ثم موقف رواد هذا التيار من النص والقيم الحديثة في ضوء مقاربة مغايرة للظاهرة الدينية.

بداية يحدد المؤلف دلالة التجديد المقصود، وبيان الفرق بينه وبين التجديد بمعناه التراثي، والذي عكسته المحاولات المتعددة التي عرفها الفكر الإسلامي في فترات تاريخية متباينة. فمدلول التجديد في تلك المحاولات قائم على التوسل بأنموذج قديم في تراث الأمة لتغيير ما هو سائد اليوم على مستوى الفكر والواقع. في حين أن التجديد الذي يدافع عنه نخبة من المفكرين، أمثال عبد المجيد الشرفي ومحمد الطالبي ومحمد أركون وغيرهم، يؤسس لتفاعل حي وخلاق بين الضمير الإسلامي ومختلف الأوضاع والمقتضيات المعرفية والاجتماعية والثقافية التي أنتجتها الحداثة، عبر مساءلات فلسفية ووجودية عميقة.

ويندرج هذا الطرح ضمن ما اعتبره الأستاذ عبده فيلالي الأنصاري تصورا للإصلاح الديني في السياق الإسلامي، ينهض كبديل للإسلام الأصولي المهيمن. فهو إسلام همه أن يكون أكثر روحانية وأقل تعلقا بالسياسة، أكثر إنسانية وأقل تشددا، أكثر انفتاحا على الآخر وأقل عنفا.

الملاحظ أن أغلب المشاريع والدراسات التي سعت لترسيخ رؤى الإسلام الجديد، صدرت بلغة أجنبية، وعن مكتبات ودور نشر أوروبية وأمريكية. والسبب في ذلك برأي المؤلف سعي المؤلفين إلى تعديل الصورة المروجة في الغرب عن المسلمين، والتي لا يبرز فيها غير الإسلام الجهادي الأصولي، من خلال التأكيد على أن الحداثة الفكرية تخترق الضمير الإسلامي كما في الغرب. ومن جهة ثانية التصدي للاستشراق عبر كشف انحيازه وهوسه بالإساءة للإسلام عن طريق حصره في تداعيات الخطاب الإيديولوجي الجهادي.

في الفصل الأول،وقبل تحديد خصائص الإسلام الجديد، يرصد المؤلف أهم مرتكزات الحداثة الفكرية التي فرضت نفسها على الساحة العربية، وفي مقدمتها تلك الرجة المعرفية التي أسهمت في الانتقال من معرفة تأملية إلى معرفة تقنية قوامها الملاحظة والتجريب، وتحقيق الفعالية والنجاعة. وهي الرَّجة التي حررت الطبيعة من بُعدها السحري، ونزعت عن التاريخ طابعه الأسطوري ليستعيد حضوره باعتباره سيرورة تحددها عوامل ملموسة

المرتكز الثاني هو مبدأ الذاتية، وإرجاع كل معرفة إلى الذات الإنسانية، ليتحرر الإنسان من حالة الوصاية التي فرضتها حتميات بيولوجية وثقافية وتاريخية، ويستعيد عافيته وفعاليته باعتباره قطب الرحى وصانعَ تاريخه كما يقول عياض بن عاشور.

أما المرتكز الثالث الذي لا يقل أهمية فهو مفهوم الحرية، وسعي الإنسان إلى الانفلات من قيود حاضره لاكتشاف المستقبل. ويرجع هذا التحول الجذري أساسا إلى ما أفرزته الحداثة من نسبية شاملة لم تنحصر في مجال العلوم فحسب، بل شملت أيضا الفنون والأخلاق وحتى العقيدة.

اخترقت الحداثة العالم العربي والإسلامي تحت ضغط الاستعمار أولا، ثم الأنظمة السياسية التي أعقبت الحركات التحررية. ونظرا لما حملته من حقائق حول الإنسان والكون، فقد شهدت المجتمعات العربية انهيار البنى الاجتماعية والثقافية والسياسية التقليدية، وانقسام التيار الإصلاحي إلى فريقين: الأول انكفأ على نفسه لإيجاد صيغة تعايش بين الماضي المثالي والأزمنة الحديثة، والثاني سعى لمراجعة التقاليد الراسخة في الحقلين الديني والسياسي.

في ظل تلك المتغيرات تبلور الخطاب الإصلاحي التجديدي، كنتاج طبيعي للتعليم الحديث، ولتفسيرات جديدة للعالم لا يهيمن عليها “الديني” إلا لماما. لكنه بقي مشدودا إلى العلاقة المتوترة بين الشرق والغرب، وصورة الآخر عن الذات المسلمة.

أما الخطاب الجديد الذي يعلنه المؤلف تحت مسمى “إسلام المجددين” فقد تبلور في سياق تاريخي مغاير؛ سياق الدول المستقلة التي ترزح تحت الاستبداد. وعاين انتكاسة التجارب القومية والاشتراكية والإسلامية، كما تابع بشكل يومي ومأساوي نفاقَ الغرب الذي عادى الحركة التحررية، ودعَّم الحركات الأصولية التي تخدم أجندته منذ فترة الحرب الباردة.

غير أن النظرة الموضوعية والمنصفة تقتضي الاعتراف بأننا أمام غرب متعدد، مما يقتضي تجاوز الحساسية المفتعلة إزاء نتاجه الفكري والمعرفي، واعتبار مكتسبات العلوم الإنسانية التي تحققت في الغرب مكتسبات كونية يجدر بنا تطبيقها على دراسة التراث الإسلامي.

أهم سمات المفكرين المجددين التي وردت في كتاب إسلام المجددين

ان أهم سمات المفكرين المجددين التي وردت في كتاب إسلام المجددين فيمكن إجمالها كالآتي:

  • تخطي كل التشكيلات اللاهوتية والتشريعية والسياسية لالتقاط جوهر الإسلام والتفكير بشأنه دون حسيب أو رقيب.
  • نقد وتفكيك الذهنية التقليدية، والكشف عن إمكانات الفكر الإسلامي التي حيل بينها وبين الاستجابة لمتطلبات اللحظة التاريخية الراهنة.
  • تقديم خطاب بعيد عن الرقابة الذاتية، ومبشر بوضع جديد تسوده الحرية و المسؤولية، وحقوق الإنسان.
  • الدفاع عن الحق في الاختلاف وحرية التفكير خارج القوالب المعهودة، لكون الجهد الإنساني يتسم في نهاية المطاف بالنسبية والمحدودية.

إنه مشروع لا يروم التنكر للتراث وإنما بيان عجز أطره ومؤسساته التقليدية عن تفهم وضع المسلم المعاصر، وتيسير أسباب الطمأنينة الروحية له. ولتأكيد مصداقيته فهو حريص على اجتناب أمرين :الانخراط في المشاريع الإيديولوجية، وقراءة نصوص التراث بالوكالة ! فهو مشروع لا يسعى للقطيعة مع الدين، بل للقطيعة مع إسلام الفقهاء والمؤسسة الدينية.

 في الفصل الثاني يتناول المؤلف نماذج من القضايا التي تصدى لها مفكرو الإسلام الجديد، وسعوا من خلالها لإرساء معالم مشروع تأويلي، يستعين بمنتجات العقل الإنساني في دراسة الظاهرة الدينية. وجرى التركيز خلال هذا الفصل على ثلاثة أبعاد أساسية :النص، والمعنى، والحقيقة.

يهم البعد الأول مراجعة النظرية التي شيدها الأصوليون حول النص(القرآن)، والمرتبطة بتوسيع مجاله ليشمل نصوص السنة النبوية كذلك، ثم تسييج حدوده بقراءات موجِّهة ومحرِّفة لمقاصده. وفي هذا الصدد انبرى عدد من المجددين لإجراء نقد تاريخي حول كيفية تشكل النص، ومسألة القراءات، وإحياء النصوص الهامشية التي استبعدتها المؤسسة الدينية للإبقاء على المقالة “الرسمية”، والفهم الواحد والوحيد.

أما في البعد الثاني فيتصدى المجددون لواحدية المعنى والتأويل اللذين تتبناهما القراءة التقليدية للنصوص المقدسة. فالقراءة المجددة تؤمن بتنسيب الحقيقة ومرونتها كلما ازدادت درجة وعي الإنسان، وذلك من منطلق أن إنتاج المعنى ومعرفة العالم هما مسؤولية الإنسان وحده.

في حين يهم البعد الثالث تحرير مسألة الحقيقة من طابعها المتعالي الذي دافعت عنه القراءة التقليدية، في مقابل منظور حديث يؤمن بأن الحقيقة لا تستعصي على الإنسان، وأن الدفاع عن تاريخِيَتها يتيح النظر إليها من زوايا متعددة، تمتلك كل منها نصيبا من النفوذ والفاعلية والهيمنة.

وفي الفصل الثالث من كتاب إسلام المجددين يعرض المؤلف لموقف المجددين من القيم الحديثة، خاصة تلك المتصلة بحرية التفكير وحرية المعتقد. وهي القيم التي أصبحت اليوم من مكونات الضمير الحديث، واكتست بعدا كونيا نتيجة الثورة الاتصالية التي يشهدها العالم.

هذه القيم التي اخترقت منظوماتنا التقليدية لم يعد بإمكاننا قبول الدعوة لتبنيها بشكل جزئي ومحتشم، بل نحن بحاجة إلى بحث تشريحي عميق وفاحص، حتى يتيسر انخراط المسلم المعاصر في حداثة حقيقية تتيح له مساءلة ذاته ووجوده، وتنظيم شؤون حياته.

هي إذن رؤية تقطع مع خطاب تبجيل الذات، لتضعنا أمام مسؤولية المخاطر الحديثة للمعرفة العلمية، وسبل مواجهتها بوعي ونضج كافيين.

يمكنك الاستماع لتلخيص الكتاب من خلال رابط حلقة سلسلة مطالعة استكتب الخاصة بكتاب إسلام المجددين .