ظاهرة التطفيل

 

من الظواهر الاجتماعية الفريدة التي حرص العلماء والمؤرخون العرب على توثيقها: ظاهرة التطفيل ، أي تتبع أخبار الولائم وحضورها دون دعوة مسبقة. وقد كان هذا السلوك تعبيرا عن التفاوت الاجتماعي الحاصل، وما يفرزه نمط البيئة القاسي من جوع وحرمان. غير أن الطفيلي لم يهتم بتحسين وضعه بقدر ما اهتم بملء بطنه!

أخبار الطفيليين ونوادرهم

تكشف أخبار الطفيليين ونوادرهم عن مهارات عديدة في اقتناص الفرص، ونصائح وقواعد تتيح للطفيلي أن يحظى بنصيبه من الوليمة دون أن يتعرض لتضييق أو أذى. وهو أمر جدير بالانتباه إليه، خاصة وأننا نعاين اليوم في مجتمعاتنا فئة متجددة من الطفيليين الباحثين عن حظ من الشهرة والمكانة، ليس على الموائد وإنما في المنابر الثقافية والإعلامية والسياسية وغيرها!

مبادئ التطفيل

  • أول مبادئ التطفيل أن يتعلق قلب الطفيلي بالطعام، وأن يصرف تفكيره وجهده إليه. حتى أن طفيليا سئل: أتحب أبا بكر وعمر؟ فأجاب: ما ترك الطعام في قلبي حباً لأحد. ونقش آخر على خاتمه قوله تعالى في سورة الصافات (فقال ألا تأكلون). آية91.

          ومن وصاياهم في هذا الشأن: لا تمشِ إلى موضع لا تمضغ فيه شيئا. وإذا كنت على مائدة وكلمك أحدهم فلا تجبه إلا بقول: نعم، فإن                  الكلام يشغل عن الأكل.

  • ثاني مبدأ في التطفيل هو إيجاد الحيل المناسبة عند التعرض للمنع، حتى لا يقف شيء أمام إصرار الطفيلي على أداء واجبه. فكان منهم من يتسلق الجدار إن وجد الباب مغلقا، ومن يتظاهر بأنه حامل رسالة لأهل العريس، ومن ينوح على الباب أو يهدد بقتل نفسه ليجعل من الحفل مأتما. وقد اشتهر بعض الطفيليين بالمكائد التي تبطل محاولات منعهم من حضور الولائم، كابن دراج وبُنان البصري و أشعب وغيرهم.
  • أما المبدأ الثالث فيتعلق بإرساء قواعد للتطفيل، وتدريب الناشئين منهم على الالتزام بها والانضباط لأصول المهنة.

وفي ذلك يقول طُفيل العرائس لابنه عبد الحميد:” إذا دخلت عرسا فلا تلتفت تلفُتَ المُريب، وتخيّر المجالس، فإن كان العرس كثير الزحام فأمُر وانهَ، ولا تنظر في عيون أهل المرأة ولا في عيون أهل الرجل، ليظن هؤلاء أنك من هؤلاء . فإن كان البوَّاب غليظا وقحاً، فابدأ به ومُره وانههُ من غير أن تُعنّفه، وعليك بكلام بين النصح والإدلال.”

ومن بين هذه القواعد أن على الطفيلي أن يتخيّر موضع جلوسه بمواصفات عرضها بُنان البصري في قوله: “إذا دعاك صديق لك فاقعد يُمنة البيت فإنك ترى كل ما تحب، وأنت تسودهم في كل شيء وتسبقهم إليه. وأنت أول من يغسل يده، والمائدة بين يديك، وأول القنينة أنت تشربه، والطعام الجيد يوضع قُدامك. وتكون أول من يتبخر. وإذا خرجت إلى الخلاء لا تحتاج إلى أن تتخطاهم ذاهبا وراجعا. وأنت في كل سرور حتى تنصرف”.

ومنها كذلك أن يكون الطعام غايتهم حتى في آداب التعامل بينهم والدعاء لإخوانهم. قال رجل لبُنان الطفيلي : ادع لي، فقال: منَّ الله عليك بصحة الجسم، وكثرة الأكل، ودوام الشهوة، ونقاء المعدة. وأمتعك بضرس طَحون، ومعدة هَضوم، مع السعة والدعة والأمن والعافية.

إلى جانب المبادئ والوصايا كان للطفيليين نصيبهم من الشعر الذي دافعوا من خلاله عن التطفيل، وحشدوا الأدلة التي تؤكد شرعيته وآدابه، وضرورته في مجتمع تراجعت فيه قيم التضامن وحفظ الكرامة. وهو في الحقيقة تراث أدبي ما أحوجنا إلى تسليط الضوء عليه، لمواجهة تطفيل لا يكتفي بملء البطون!

يقول أحدهم واصفا مذهب التطفيل :

 نحن قوم إذا دُعينا أجبنا         فإذا نُنسَ يدعُنا التطفيل

ونقُل: علَّنا دُعينا فغبنا            فأتانا فلم يجدنا الرسول

نصرف القولَ نحو أجملِ فعل   مثلما يفعل الودودُ الوَصُول

فهل تعرفون نوادر أخرى عن الطفيليين؟

حقوق الصورة البارزة