التعلم النشط

إن كنت مهتمًا بمجال التعليم ، فلا شك أنك سمعت بما يسمى ( التعلم النشط ) ، وتساءلت  داخلك: ما هو التعلم النشط ؟ وبما يختلف عن التعلم التقليدي ؟ وهل يحتاج إلى إمكانيات وتجهيزات معينة؟ ما هي إيجابياته وسلبياته؟

ورغم بحثك الحثيث عن أجوبة هذه الأسئلة، إلا أن الأمور ما زالت مشوشة بالنسبة إليك، أليس كذلك؟

لذا، وسعيًا منا لتبسيط المعرفة وإيصالها لكل قارئ، نضع بين أيديكم هذا الشرح الوافي عن التعلم النشط آملين أن ينال إعجابكم.

مفهوم التعلم النشط

يُعد التعلم النشط أحد اهم السبل التي تتبعها المؤسسات التربوية في سعيها للخروج من محدودية التعلم التقليدي (الذي يعتمد على علاقة أحادية بين المعلم كمصدر للمعلومة والطالب كمستقبل لها) إلى آفاق تعظيم دور الطالب كطرف مشارك في العملية التعليمية خلال الفصل الدراسي، عن طريق استراتيجيات تتضمن المناقشة وتعلم حل الإشكاليات وأنشطة تبادل الأدوار (Role Play) إلخ…

ما الفرق بين التعلم النشط والتعلم التقليدي

يغلب على الفصل (التقليدي) أمران:

الأول/ دفع الطالب للتعامل بسلبية مع المنهج، حيث ينحصر دوره في التلقي للمعلومة دون القدرة على مناقشتها أو المشاركة فيها.

الثاني/ وحتى في حال وجود منفذ للمشاركة (من خلال طرح الأسئلة والإجابة عليها مثلًا)، فيغلب على هذه المشاركة أن تكون محصورة في عدد محدد من الطلاب (المتميزين منهم في الغالب)، بينما يقف البقية موقف المتفرج من الحوار الدائر.

في حين توفر الفصول الدراسية المعتدة على استراتيجيات التعلم النشط الفرصة لجميع الطلاب في الفصل الدراسي للتفكير والمشاركة بفعالية في المواد التعليمية ، هذا عدا عن ممارسة المهارات اللازمة لتعلم هذه المواد وتطبيقها: كاستخلاص الأفكار، النقاش البنّاء، العصف الذهني، الاكتشاف، التعلم الذاتي وغيرها..

 

ما الفرق بين التعلم النشط والتعلم التقليدي

فلسفة التعلم النشط

الأرجح أننا جميعًا جلسنا خلال حصص دراسية حيث نتلقى المعلومات من الدرس دون أن يكون لنا أي دور أثناء الحصة الدراسية إلا الاستماع إلى المدّرس / المحاضر .

المشكلة في (وضعية التسليم) آنفة الذكر أنها تستزف طاقة المدّرس وتغمر الطلاب الإحباط الذي يؤدي –كما تشير العديد من الدراسات- إلى تخفيض حدّ التركيز ليتراوح بين 10-20 دقيقة، وهو جزء بسيط من الحصة الدراسية التي غالبًا ما تمتد لـ 45-60 دقيقة!

وعلى الرغم من أن سُبل التعلم التقليدي قد تكون مفيدة في تعزيز المهارات “الدنيا” للطالب كحفظ المعلومة واسترجاعها عند اللزوم، لكنها تبقى غير فعّالة في تعزيز المهارات “العليا” لديه كالتطبيق والتحليل والتقييم.

علمًا بأننا لا نُنكر أهمية سبل التعلم التقليدي منها والنشط ، وكونها مبنية على بعضها البعض.

إذًا، كيف يمكننا جعل الحصص الدراسية أكثر تفاعلية/توجهًا نحو التعلم على مستوى أعلى؟

تشكل ( استراتيجيات التعلم النشط ) بديلًا ممتازًا. فببساطة، يتم التعلم النشط من خلال التفاعل مع المحتوى التعليمي ، وهذا يعني أن الطلاب يتفاعلون مع المناهج التعليمية –بشكل إيجابي- وبطريقة تُعزز من خلالها مهاراتهم العقلية والحركية على حدٍ سواء.

مميزات التعلم النشط

إن لتفعيل عناصر التعلم النشط ضمن الحصص الدراسية ميزات عدة، نذكر منها:

  • يساهم التعلم النشط في زيادة تركيز الطلاب من خلال استخدام نهج مختلفة للتعلم خلال أوقات معينة ضمن الحصة الدراسية (وهذا يعني تغير طريقة مشاركة الطلاب، بدلًا من تشتيتهم بتغيير المواضيع ضمن الحصة الدراسية الواحدة، الحل الذي اقترحه البعض للمحافظة على التركيز في أقصى حالاته!)
  • يشجع برنامج التعلم النشط على فهم المواد الدراسية بشكل أعمق، حيث يتفاعل الطلاب مع المحتوى بدلًا من الاكتفاء بتلقيه.
  • يحظى الطلاب ذوي الأداء المنخفض بفوائد أكبر عبر التعلم النشط ، وبشكل يفوق الطلاب الذين يحققون درجات عالية بالفعل: حيث يدعم تنوع استراتيجيات التعلم النشط الطلاب ذوي أساليب التعلم المختلفة (كمن يحققون أقصى استفادة من خلال الأنشطة الحركية، أو من خلال تبادل الأفكار، أو حتى من خلال جلسات العصف الذهني … إلخ…)

جدير بالذكر أن استخدام استراتيجيات التعلم النشط لا يعني الاستغناء عن استراتيجيات التدريس التقليدية ، إنما هو دمج طرق مختلفة للتعامل مع المواد التعليمية على فترات منتظمة أثناء الحصة الدراسية.

 

استراتيجيات التعلم النشط

تساعد استراتيجيات التعلم النشط أعضاء هيئة التدريس على بدء تفعيل الأنشطة القائمة على مهارات الطلاب . وفيما يلي قائمة مفصلة من استراتيجيات التعلم النشط التي يمكنك – كمعلم – استخدامها دون الحاجة إلى تجهيزات:

1.مشاركة الأفكار بشكل ثنائيات

اشرح لطلابك أن (مشاركة الأفكار بشكل ثنائيات) يسمح لهم بتفعيل معرفتهم السابقة ومشاركة الأفكار حول المحتوى / الأفكار الشخصية مع زملائهم. تتيح هذه الطريقة للطلاب الفرصة لتنظيم أفكارهم، أولاً في أذهانهم، ثم ضمن مجموعات ثنائية/زوجية قبل المشاركة مع بقية الطلاب.
آلية العمل:
يقوم الطلاب ضمن هذا النشاط بالتفكير بشكل فردي حول السؤال أو الفكرة (الأفكار) التي تم طرحها، ثم يتم جمع كلٍ منهم مع زميلٍ له لمناقشة الفكرة، ثم مشاركة النتيجة مع فريقهم (المؤلف من عدة طلاب متجاورين)، ثم أخيرًا مع الفصل بأكمله.
مناقشة الأفكار بشكل جماعي: كيف يمكن مناقشة أفكار المجموعات، دون معوقات أو شغب؟

  • اطلب من الطلاب توضيح فكرتهم من خلال تقديم تفسيرات أو أدلة أو توضيحات.
    أسئلة مقترحة: (ما الذي يجعلك تظن ذلك؟ /هل يمكنك شرح مثال من تجربتك الشخصية/ ماذا تعني بقولك كذا؟)
  • حاول أن تبقى محايدًا في رد فعلك على تعليقات الطلاب .
  • قم بدعوة الآخرين للرد على الأفكار من خلال توفير وجهات نظر أخرى أو شرح نقاط اتفاقهم أو اختلافهم معها.أسئلة مقترحة: (هل يمكن لأحدكم إضافة شيء إلى ما قاله زملائكم؟ / من يود مشاركة رأي آخر؟)

2.الكتابة السريعة

يتم طرح مسألة إشكالية للطلاب ويُطلب منهم الرد عليها كتابيًا . خلال 5 دقائق أو أقل.

ميزات هذه الاستراتيجية: إشراك جميع الطلاب في التفكير في الموضوع الذي سيتم تغطيته ضمن الحصة الدراسية – توفر للطلاب الفرصة لاستذكار معرفتهم السابقة حول موضوع ما).

3.التفت لزميلك وتحدث

تتضمن استراتيجية (التفت لزميلك وتحدث) طرح سؤال على الفصل ليلتفت كل طالب ببساطة إلى الشخص المجاور له لمناقشة السؤال. تتشابه هذه الاستراتيجية مع (مشاركة الأفكار بشكل ثنائيات) في كونها طريقة مريحة للطلاب لمشاركة أفكارهم مع الآخرين وتهيئتهم للمشاركة مع باقي الفصل. لكنها تختلف عنها في عدم حاجة المعلم للاستماع للأفكار. فالهدف الرئيسي هو مشاركة الطلاب وتعاونهم في الوصول لمعلوماتهم السابقة حول موضوع ما.

مثال عملي: اطلب من الطلاب مناقشة إجاباتهم للسؤال التالي مع زملائهم بجانبهم. حدد لهم دقيقتين للمناقشة مع ضمان أن يحصل كل طرف على فرصته للنقاش.

جزء من التحدي المتمثل في التواصل حول التغير المناخي مع العامة هو وجود تباين بين ما يفكر فيه العلماء والجمهور من غير المتخصصين حول تغير المناخ. لماذا تعتقد أن هناك مثل هذا التفاوت؟

4.الاختبارات الفردية وتحويلها إلى جماعية

امنح الطلاب اختبارًا يكملونه بشكل فردي ثم ضع درجات عليه بعدها مباشرة، ثم ضعهم في مجموعات صغيرة واطرح ذات الاختبار مرة أخرى، لكن هذه المرة مع مناقشة الإجابات ضمن مجموعتهم ليحولوها إلى درجة جماعية.

يتم تقييم كلًا من الاختبارين وإذا كانت درجة المجموعة أعلى، يتم حساب المتوسط. تساهم هذه الطريقة في مساعدة الطلاب على فهم المواد بشكل أفضل أثناء مناقشتها مع زملائهم. وبهذه الطريقة، يواكبون المواد، بدلاً من شعورهم أنهم لا يفهمونها تمامًا عندما يصلون إلى الامتحان النصفي.

5.تحويل المادة إلى لعبة (تركيب – Jigsaws)

يعمل الطلاب في مجموعات صغيرة لقراءة المعلومات التي تم تنظيمها إلى أقسام.

يقرأ كل طالب في المجموعة قسمًا واحدًا من المادة ثم يشارك تلك المعلومات مع بقية مجموعته.

أثناء قراءة ومشاركة المعلومات، يتم طرح اسئلة مثل: ما الذي تشير إليه كل فكرة بحسب اعتقادك؟ ما هي الفكرة الرئيسية؟ كيف يمكن تطبيق هذه الفكرة بغية الإحاطة بالمفهوم/المفاهيم؟ ما هي الأسئلة التي لديك عن ما تقرأه؟ ما الذي توافق/لا توافق عليه؟

6.فصل المعلومات ضمن المجموعات

يتم فصل أجزاء صغيرة من المعلومات إلى شرائح بحيث يتمكن الطلاب من فرز الشرائح إلى فئات مختلفة، أو تنظيمها في تسلسل اعتمادًا على الموضوع. تشجع هذه الاستراتيجية على مناقشة الأفكار أو المنظمات المتنافسة أو النظام الذي تتم فيه العملية. في هذه الحالة، وبذا يكون النقاش ومشاركة الأفكار هي أهم نتيجة للنشاط.

7.استخدام عرض الشرائح

أظهرت الأبحاث أنه يمكن للطلاب امتلاك فهم أفضل للمادة العلمية، وأن يكونوا أفضل في الامتحانات، وأن يبقوا أكثر تفاعلًا مع المحتوى أثناء المحاضرة عندما يتم تزويدهم بملاحظات محاضرات تتضمن عرضًا للشرائح باستخدام برامج مثل PowerPoints.

8.التوقف أثناء المحاضرة

تعمل هذه الاستراتيجية على تضمين وقت للتوقف ضمن الحصة الدراسية، ومناقشة وتطبيق الأفكار المشروحة للتو وتشجيعهم على المشاركة بنشاط في المحاضرة بدلاً من تدوين الملاحظات بشكل سلبي. تساعد هذه الاستراتيجيات أيضًا الطلاب على تحديد ما يفهمونه/لا يفهمونه.

اطلب من الطلاب عدم تدوين أي شيء أثناء العمل على حل مشكلة ما على السبورة، وامنحهم 5 دقائق بعد الانتهاء حتى يتمكنوا من الكتابة ومناقشة المشكلة / التفاعل / العملية الكيميائية مع زملائهم.

توقف لمدة 6-10 ثوانٍ بعد طرح سؤال قبل دعوة الطالب للرد، اطلب من الطلاب أن يكتبوا (شيئًا سريعًا) حول مفهوم معين تم تغطيته ضمن الحصة (على سبيل المثال: ما فهموه حتى الآن، كتابة سؤالين حول المفهوم الذي تم تقديمه، ما الذي يرغبون في معرفته أكثر حول نقطة معينة …)، ثم قم بتجميع الأوراق لمساعدتك على فهم أفضل لما فهموه من المحاضرة والأسئلة التي لديهم، وهذا ما سيساعدك على تحسين شرحك في المرة القادمة.

خاتمة

أشارت بعض الأبحاث في العقود الماضية على أن التعلم قد لا يحصل إن كان المتعلم بحالة نشاط سلوكي. ومنها ما قدمه بول كيشنر –أحد خبراء مركز الخبرات التكنولوجية التربوية- الذي علق أنه

أن هذه النشاطات تشجع على التعلم، فإن القيام بها من دون توجيه قد تؤدي إلى نتائج عكسية“.

إلا أن أفكار “كيشنر” جوبهت بالمعارضة من قبل الكثيرين. ففي عام 2007، أثبتت الأبحاث أن الطلاب الذين قاموا بحل تمارين -من دون توجيه- مع تعليقات للموجهين بعد التمرين (وهو أحد أشكال التعلم النشط ) قد تعلموا بشكل أفضل وأظهروا اندفاع في تحصيل المعرفة بالمقارنة مع الطلاب الآخرين الذين اتبعوا الأسلوب التقليدي.

المصادر:

What Is ‘Active Learning’ and Why Is It Important?

تعلم نشط-ويكيبيديا

حقوق الصور البارزة