القواعد الستة في تحقيق المخطوطات وصفات محققها

 

إذا كانت المخطوطات ذاكرة الأمة، وأسمى تعبير عن عطائها الحضاري والعلمي والفكري، فإن إعادة إخراجها للوجود يتطلب منهجا واضحا، ومعايير دقيقة تحافظ على أصالتها، وتقدّم محتواها للقارئ المعاصر دون تحريف أو تزييف.

والحقيقة أن فضل الاهتمام بالمخطوطات يعود في جانب كبير منه للمستشرقين الذي اهتموا بنشر تراثنا العربي منذ القرن التاسع عشر، واجتهدوا في وضع مناهج لبحوثهم لم تَخلُ من أخطاء، إما لضعف إلمامهم باللغة العربية، أو لأهداف أخرى مرتبطة بسياق الاستعمار ووضع اليد على مُقدرات الأمة وثرواتها.

أما على صعيد الوطن العربي فكانت أول محاولة لوضع نهج مستقل لتحقيق المخطوطات هي تلك التي سعى إليها المجمع العربي بدمشق، حين قرر نشر كتاب ( تاريخ مدينة دمشق)، وهو أوسع تاريخ لمدينة، ويقع في ثمانين مجلدا. حيث اجتهدت لجنة من العلماء آنذاك لتحديد قواعد عامة يجب اتباعها في تحقيق مجلدات التاريخ.

6 قواعد عامة وأساسية  في تحقيق المخطوطات

يُمكن إجمالا حصر خطوات تحقيق أي مخطوط في ست قواعد عامة وأساسية:

 القاعدة الأولى:

هي الجمع، حيث يبدأ المحقق عمله بجمع نُسخ المخطوط المبعثرة في مكتبات العالم قدر المستطاع، بالرجوع إلى فهارس المخطوطات العربية، والمراجع التي اهتمت بتوثيق ورصد المخطوطات ككتاب ( تاريخ التراث العربي) لفؤاد سزكين.

القاعدة الثانية:

هي الترتيب، حيث يرتّب المحقّق النسخ التي جمعها بدءا بالنسخة التي كتبها المؤلف بنفسه، ثم تلك التي نسخها آخرون في زمن المؤلف وقُرئت عليه فأجازها وزكّاها، ثم التي كُتبت في زمنه وأضاف إليها علماء آخرون تعليقاتهم ومعارضاتهم.

وعلى المحقق أن يُرجح دائما النسخة الأقدم من المخطوط إلا في حال كانت النسخة المتأخرة جيدة وأقرب لأسلوب المؤلف وفكره.

القاعدة الثالثة:

فهي تتعلق بحصر النسخ المتشابهة للمخطوط الذي حظي بانتشار أوسع، وتصنيفها ضمن فئات تًسهل ضبط اختلافات النُساخ. والغاية من ذلك هي تقديم المخطوط كما وضعه مؤلفه.

القاعدة الرابعة:

العناية برسم المخطوط، من حيث تصحيح الأخطاء وردّ نصوصه إلى مصادرها الأصلية، وملاءمة ألفاظه وعباراته مع النطق السائد اليوم. فينتبه المحقّق للتحريف الذي قام به النُساخ في بعض الكلمات، ويضيف النقط لأن الحروف لم تكن منقوطة في أصل الكتابة العربية آنذاك، كما يوضح اختصار بعض الألفاظ التي يصعب اليوم على القارئ فهمها. فلفظة (رحه) على سبيل المثال تعني رحمه الله، و(تع) تعني تعالى، وهكذا.

القاعدة الخامسة:

الاهتمام بحاشية المخطوط، لأنها المظهر الحقيقي للمجهود النقدي والعلمي الذي قام به المحقق.

وأبرز ما تتضمنه الحواشي الإشارة إلى اختلاف نسخ المخطوط، وتصحيح الأخطاء، وبيان مصادر النصوص من آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأشعار وغيرها، وكذا التعليقات والشروح الضرورية، وضبط الفهارس التي تُسهل الإفادة من الكتاب كفهرس الموضوعات والأعلام و الأماكن و البلدان.. إلخ

القاعدة السادسة:

بعد أن ينتهي المحقق من عمله تبقى قاعدة أخيرة متعلقة بوضع مقدمة للمخطوط، حيث يشير المحقق فيها إلى موضوع الكتاب، والإضافات القيّمة التي يتضمّنها، وتعريفا وافيا بمؤلّف الكتاب وبيئته الاجتماعية والسياسية و الفكرية، ثم وصفاً للمخطوط من حيث مصدره وتاريخ نسخه وعدد أوراقه. ثم يعرض قائمة لمسرد المراجع التي اعتمدها في تحقيق الكتاب.

ونظرا للأهمية التي يكتسيها هذا العلم في صون ذاكرة الأمة وتراثها، فإن على المحقّق أن يتمتّع بصفات محددة تضمن تلقي مجهوده بالقبول لدى المؤسسات العلمية، وأبرزها :

  • أن يستشعر أهمية التراث العلمي والفكري للأمة، ويعي دوره في بناء حضارتها وربط ماضيها بحاضرها.
  • أن يكون مُحباً لهذا المجال البحثي ووثيق الصلة به قراءة ومتابعة وانشغالاً دائماً.
  • أن يتمتع بالخبرة اللازمة لتحقيق المخطوط، وكشف أسراره وخصائصه ومناهج كتابته.
  • أن يتصف بالأمانة العلمية والإلمام الواسع باللغة العربية، ويتحلّى بالصبر وسعة الاطلاع.

ويجدر بنا الإشارة هنا، إلى أن الذين يعملون في تحقيق المخطوطات هم من المهتمين بالتراث الأصيل، وفي استكتب هنالك من يهتم بتحقيق المخطوطات ويقدم خدمة تحقيق وتدقيق المخطوطات القديمة، يمكنك الإطلاع عليها وطلبها إن كنت بحاجة لها.

مصادر:

  1. المخطوطات و التراث العربي للدكتور عبد الستار الحلوجي
  2. تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الأمثل للدكتور عبد الله عسيلان
  3. علم المخطوط العربي. بحوث ودراسات. مجموعة من الباحثين
  4. في المخطوطات العربية. للدكتور السيد النشار

 

حقوق الصورة البارزة