تعاليم القراء الفريدة

من سلسلة  كيف تنتقي كتابا من مكتبة 

 

أغلب تعاليم القراء هي خلاصة تجارب ذاتية، محكومة ببيئة وظروف وخبرات معينة. لذا قد تكون بعض التعاليم جديرة بتبنيها، بينما تبدو الأخرى غير مثمرة. فحين تكون المكتبة جزءا من تصميم الحي وهندسة المكان يسهل تحريض الفرد على القراءة، كما أن حضور الكتاب كقطعة من التداول اليومي داخل الأسرة يُعد محفزا لغير القارئ كي يستجيب لنداءات القراءة.

أشكال تعاليم القراء الفريدة

قد تأخذ التعاليم شكل النصيحة المباشرة، والتوجيه اللطيف الذي لا يخلو أحيانا من استعلاء. لكن الأبلغ منها في تحريك وجدانك لتقرأ هو حديث القارئ عما أحدثته الكتب من خلخلة لفكره، وإثارة لأعصابه إيجابا أو سلبا!

وأنا لا أعني بطبيعة الحال بعض المداحين الذين يثيرون الزوابع في شبكات التواصل الاجتماعي، بل أميل إلى القارئ الذي يضيف إلى المقروء رؤيته الخاصة، وانفعاله الزائد، وتقييمه الذاتي بعيدا عن مساطر النقد الأدبي.

في مؤلفه ( كتب لها تاريخ )، يعرض الدكتور جلال أمين لقائمة من الكتب التي قرأها وخلّفت أثرا في نفسه، فدفعته للكتابة عنها باعتبارها حدثا معرفيا أو فنيا سيحظى بتاريخ خاص في عالم القراءة. وتنتسب هذه الكتب لفروع معرفية مختلفة تتوزع بين السيرة الذاتية والاقتصاد والأدب والسياسة وفلسفة العلوم وغيرها، لكن ما يعنينا هو حس القارئ وانطباعاته، وسعيه لتمرير كتلة من الأحاسيس المصاحبة لفعل القراءة، مما يُحفز الآخر لإرواء شغفه بمراجعة الكتب المقترحة.

هكذا يأخذك جلال أمين في رحلة شيقة تقتحم نصوصا مميزة للطيب صالح، وبهاء طاهر،و سلوى بكر، و علاء الأسواني، وآن كاسيدي وفرانز جال ،وجوزيف ستيجليتز وغيرهم. وخلال هذه الرحلة يثني على القيمة الفنية و الفكرية لبعض النصوص كما يقلل من شأن نصوص أخرى لا تستحق الشهرة التي حازتها!

ضِمن سعي مماثل عرض آندي ميلر في كتابه (سنوات القراءة الخطرة) لمذكراته من خلال قائمة ضمت خمسين كتابا .و يؤكد أنه لا يسعى لإقناع القارئ باختياراته بقدر ما يعيد إدماج هذه العناوين في الحياة اليومية التي نعيشها.

من رواية “المعلم ومارغريتا” لميخائيل بولغاكوف و”آنا كارنينا” لتولستوي، مرورا بموبي ديك لهرمان ملفيل ووصولا إلى “شيفرة ووسترز” ل ودهاوس، ينقلك ميلر بمتعة وحماسة إلى إعادة قراءة للكتب التي طبعت سبعا وثلاثين سنة من ذاكرة قارئ. وعبر أسلوب مذهل وساحر لا يملك المرء سوى مشاركته بطولة العودة إلى كلاسيكياته.

وفي ( يوميات القراءة ) يجدد ألبرتو مانغويل قراءته لبعض كتبه المفضلة القديمة، باحثا في الهوامش وكتابات الظل عن تبديد الأوهام التي خلّفتها القراءة الأولى. مخطط ذكي لقارئ انتقائي يجعل من الملاحظات والتأملات وسيلة للنفاذ إلى العوالم التخييلية ل بيوي كاسارس ،و رديارد كيبلنغ، و شاتوبريان وغيرهم. يقول مانغويل:” القراءة عبارة عن محادثة. تماما مثلما يُبتلى المجانين بحوار وهمي يتردد صداه في مكان ما في أذهانهم، فإن القراء يتورطون أيضا بحوار مشابه، يستفزهم بصمت من خلال الكلمات التي على الصفحة”.

هي ليست توجيهات ونصائح تدغدغ شعورك بالتقصير تجاه الكتاب. وليست حشدا للمقولات التي تعاتبك على إسقاط الكتب من قائمة اهتمامك. نحن بحاجة إلى بوح قارئ فذّ تسري تعاليمه في صمت مستفز للرغبة.. والقراءة.

ولأن عالم الكتب لا يخلو من طرائف فقد ارتأت أمينة مكتبة أن تحكي بعض متاعبها مع زبائن غير عاديين.. في حلقة مقبلة بعنوان من مذكرات بائعة الكتب !