برغم كل ما يجري على أرضه من أحداث تشوه جماله، إلا أن رمضان لايزال يحتفظ بعاداته التي يفرضها على أهله وبين أزقته، سنتحدث في هذه المقالة عن عادات وتقاليد رمضان حول العالم .

عادات وتقاليد رمضان حول العالم

1.الصوم في الشام

ما إن يُعلنْ عنْ ثبوتِ رُؤيةِ هلالِ شهرِ رمَضانَ فِي سوريا، حتى تَزدَانَ مظاهرُ الْحياةِ كلّهَا- البشرُ، والشوارعُ والطرقاتُ والمحلاتُ التِّجاريةُ، وغيرها – بِحللَ الشهرِ الكريمِ، ويتهافَتُ الناسُ في سَعادَةٍ غامِرةٍ على تبَادلِ التهَانِي ببلوغِ الشَّهرِ الْفضيل.

في النهارِ تبْدُو أجواءُ رمضانَ واضحةً جليةً في الأسْواقِ، فمِنْ رائحةِ المعروك المحشُوِّ بالتَّمرِ أو الجبنِ إلى أصْواتِ باعَةِ العرق سوس، والتمرِ الهنْدِيِّ، وقمر الدين، والحمصِ، والخبزِ المحمَّصِ الخَاصِّ بطبَقِ الفتة أو”التسئية” .

ومع اقترابِ أذانِ الْمغربِ ترَى الأطبَاقَ غاديةً ورائحَةً بينَ الْجيرانِ، كمَا ترَى آخرينَ يترقَّبُونَ اِنطلاقَ الْمدفعِ واِرتفَاعَ صوتِ الْمؤذِّنِ للإقبَالِ على موائد مجهزةٍ بأصنافِ لذيذةٍ، مع مقبِّلاتٍ شهيَّةٍ، مِثل شوربة العدسِ، والفتوش، والكبَّةِ النَّيِّئةِ، وطبقِ مقلوبَةِ الباذنجانِ أو ورقِ العنبِ الرّئِيسي، والكبب بأنواعِها، حيثُ لا تُقيَّدُ المرأةُ السوريةُ بِطبقٍ بعيْنِه.

في رَكْبِ التَّراويحِ، تَرَى النَّاسَ أفواجاً متَّجهِينَ إلَى الْجوامِعِ، رجالا ونسَاء وأطفَالاً؛ لإقامةِ الصلواتِ والتّقرُّبِ إلى الله بالطاعاتِ طمعًا فِي مغفرة الرّبِّ الكريم.

أمَّا السّحورُ فلا طعمَ لهُ بلا صوْتِ المسحراتي وطبْلتِهِ:( اصحى يا نايم وحّد الدايم)…(قوموا ع سحوركم اجا رمضان يزوركم )، فيعْطِيه النَّاسُ بعضًا من سحورِهِم  صدَقةً حسنةً في شَهرِ الْخيرِ والْبركاتِ.

 

2.الصوم في فلسطين

يضيفُ شهرُ رمضانَ إلى ما تتمتعُ به فلسطينُ من رمزيةٍ وحضورٍ في الوجدانِ ولمسةٍ ربانيةٍ خاصة، فعلى الرغم من أوضاعِ الاحتلالِ الصعبةِ لا يزال الفلسطينيُ متشبثًا بعاداتِه ودلائلِ هويتِه وخصوصيتِه، والتي يستحضرُ جزءا منها في شهرِ الصيام.

فما إنْ تثبتَ رؤيةُ الهلالِ حتى ترتفعَ الابتهالاتُ والأدعيةُ من المآذنِ، ويجوبُ الصبيةُ بالفوانيسِ الأحياءَ معلنينَ قدومَ الشهرِ الكريم.

أما مائدةُ الإفطارِ فتحفلُ بالأطباقِ المعبِّرةِ عن خصوصيةِ فلسطينَ العزيزةِ، كالمقلوبةِ والسُماقيةِ والمَنسَفِ، والمُخللاَّتِ والسَلطاتِ وغيرِها. ويُعدُ شرابُ الخَرُّوبِ أهمَ المشروباتِ التي تزينُ المائدةَ، إضافة ًإلى الكَرْكَدِيه وعِرْق السوس.

بعد الإفطارِ يتوجّهُ المصلونَ إلى المساجدِ لأداء الصلواتِ، وتجديدِ صلةِ الرحمِ بالأهلِ والأقرباءِ. ولعلَ من أهم العاداتِ الأًصيلة في فلسطين: “فَقْدةُ رمضان”؛ حيث يزوُر الأب ابنتَه المُتزوجة، مصطحباً معه بعضَ المواِد التموينيةِ، ويوجّهُ لها دعوةً للإفطار بصُحبة زوجِها وأبنائها؛ ليلتئمَ  شملُ الأسرةِ في سعادةٍ على مائدةِ الإفطارِ.

 

3.الصوم في السودان

للشعْبِ السُّودَانِي عادَاتُه وتقاليدُه التِي تَعكسُ أصالتَهُ وكرَمَهُ. ورمضانُ محطَّةٌ مَهمَّةٌ تعكِسُ ما يتمَتَّعُ بهِ أهلُ السودانِ مِنْ عنايةٍ بارِزةٍ بالشعائرِ الدِّينيةِ.

خلالَ الشهرِ الفَضيلِ تُبْرزُ مظَاهِرَ العَطْفِ والتَّكافُلِ بِشكلٍ قوِيٍّ، فَتحرِصُ الهيئَاتُ الْخيريَّةُ عَلَى تنظِيم إفطارٍ فِي الشَّوَارعِ والْمُستَشْفياتِ والأماكِنِ العَامَّةِ.

أمَّا فِي الْبيوتِ فتَحرِصُ الأُسَرُ السُّودَانيةُ عَلَى إعدَادِ شَرَابِ “الحلومر” المُكَوَّنِ مِنْ الذرةِ و التَّوابِلِ وغيرِهَا، كمَا تتضمَّنُ مائدةُ الإفْطارِ العصيدَةَ، وسلطةَ الروبِ، والأكلاتِ المقليةَ والعصَائرَ والحلوياتِ.

ومنَ العَاداتِ الأصِيلَةِ أنْ يقِفَ النَّاسُ قبلَ أذانِ الْمغربِ فِي الشَّارعِ لِتقديمِ الإفْطارِ للسَّائقِينَ والمَارةِ الّذينَ لمْ يتمَكَّنُوا مِنَ اللحاقِ بمنازلِهمْ، لتبدأَ بَعدَ الإفْطارِ مرحلةُ السَّعْي لاستِجْلابِ النفَحاتِ الرَّبانيَةِ، وتعْميرِ المَسَاجِدِ بالصَّلاةِ والذكرِ، وتِلاوَةِ الْقرآنِ.

 

4.الصوم في الجزائر

يُعدُّ شهرُ رمضانَ في الْجزائرِ محطةً تكشفُ التنوعَ الثقافيَ والاجتماعيَ لهذا البلدِ الشّقيقِ، حيثُ يُشكّلُ شهرُ الصّيامِ مناسبةً لإحياءِ عاداتٍ وتقاليدَ خاصَّةٍ، تبدأُ بالتّحيةِ الْمميَّزةِ الّتِي يَتبادلُها الْجزائِريّون عندَ ثبوتِ رؤيةِ الهلال “صَحَّ رَمْضَانَك”، وصولاً إلَى الأطباقِ الشّهيةِ الّتي تزيّنُ مائدةَ الإفطارِ، وطقوسِ السّمرِ الدينيِّ خلالَ ليالي الّشهرِ الفضيل.

ما إنْ يرتفعَ أذانُ المغربِ حتَّى يُقبلُ الصَّائمونَ على التَّمرِ المَخلوط بِالحليبِ، يليهِ أطباقٌ متنوعةٌ تؤكّدُ براعةَ المرأةِ الجزائريةِ، كالحريرة  والكُسكُسي والرَّشْتَة والطَّاجين. ثم أصنافُ الحلوياتِ الخاصَّةِ برمضانَ، كالزَّلابيةِ وقلبِ اللوزِ والْمقْروطِ.

وعَقِبَ الإفطارِ ينعَمُ الصّائمونَ بأجواءٍ روحانيةٍ، تتخلَّلُها مجالسُ الذكرِ والوعظِ والسمرِ الدينيِّ الّذي يجددُ صلةَ الرحمِ وأواصرَ المودّةِ بينَ الأهلِ والأقرباءِ. بل وتتخذُ بعضُ الأسرِ من ليالي رمضانَ مناسبةً لختانِ الأطفالِ ضمنَ طقوسٍ خاصةٍ تُعرف ب”الطْهارة”.

 

5.الصوم في السعودية

تتفرّدُ الْمملكةُ الْعربيةُ السَّعوديةُ بأجوائِها الرّمضانيةِ الخاصةِ لوجودِ أقدْسِ البقاعِ على وجْهِ الأرْضِ فِيها، مكة والمدينة، مهْوَى أفئدةِ الْمسلمينَ لاسِيَمَا فِي شهرِ رمَضانَ.

فَفِي هذَا الشَّهرِ الكريمِ تنقلبُ الْحياةُ، لتغدُوَ أكثرَ حيوية من ذي قبل، كيفَ لا وهوَ شهرُ الْبركَةِ والخيْراتِ، والْمغفرةِ والرَّحماتِ.

فما إنْ تثبتْ الرُّؤيةُ الشَّرعيةُ للهلالِ، حتَّى تبدأ الحياةُ الرَّمضانيةُ المُمْتلئَةُ بالرُّوحانية العاليةِ، وتُقامُ الْخيمُ الرَّمضانيةُ والموائدُ الخيريةُ بجانبِ الجوامِعِ لإطعامِ الفقَراءِ والْمسَاكينِ بوجباتٍ يوميةٍ.

درجَ السَّعوديونَ علَى أنْ يُفطِرُوا بشكلٍ دوْريٍّ في أحدِ بيوتِ المُقرَّبِينَ، منْ كبيرِ العائلةِ حتَّى أصغرِهِم، حيثُ يتنَاوَلونَ قبلَ أداءِ صلاةِ الْمغربِ بضعَ تمْراتٍ وماءٍ، يُتْبعُونَها بالقهوةِ الصَّفراءِ وقليلٍ مِنَ الشوربة.

وعِنْدَ عوْدتهِمْ يَجدونَ الْمائدةَ مُزيَّنةً بطَبَقٍ مِنَ السمبوسة، وهي رقائقُ عجينٍ مَحْشوةٌ باللَّحمِ، والشوربةِ وخبزِ البرّ المعدِّ في البيتِ معَ الفولِ والتميس، وصحونٍ صغيرةٍ منْ حلْوَى المهلبيةِ أو الكاسترد، وألوانٍ من العَصائرِ مثل الفيمتو، والسوبيا، وهي عصيرٌ مستخرجٌ من عجينةِ شعيرٍ منكَّهةٍ بالقرفَةِ والهيل والسكَّرِ.

أمَّا عنِ الْوجبةِ الرئيسيَّةِ فتكونُ بعدَ صلاةِ العِشاءِ والتراويحِ، إذْ تُعرفُ الْمرأةُ السعودِيَّةُ بمَهارَتِها في إعدادِ أشكالٍ متنوعةٍ من الرز مع اللَّحمِ مِثل البرياني، والبُخاري، والمندي، والمضغوط، والكبسة، بالإضافةِ للجريشِ والمقلقلِ والإيدامِ المكوَّنِ منْ خضرواتٍ مطبوخَةٍ بِمرقِ اللَّحمِ.

إنها مظاهِر تنْطِقُ بفرحَةِ النَّاسِ الغامِرةِ، وسَعَادَتِهِمْ الْكبيرةِ بقدومِ هَذَا الشَّهرِ الكَريمِ، تلكَ الْفرْحةُ الَّتِي تشمَلُ الجميعَ، الصِّغارَ منهمْ والكبَار… ألا مَا أعظمَ شهْرَ رمضَانَ! ومَا أجْملَ أيَّامَه وليَالِيه!

 

6.الصوم في الإمارات

لدولةِ الإماراتِ الْعربيَّةِ الْمتَّحدَةِ تقاليدُهَا المشتَركَةِ معَ بَاقي دُولِ الْخليجِ فِي اِستقبالِ شهرِ رمضانَ، حيثُ يسْتدعي الْمجْتمعُ الْخليجيُّ عُمومًا تقاليدَ أجدادِهِ لتأصِيلِ الاِنتماءِ، والحفاظِ علَى الهويّةِ والْخصوصِيةِ المحليَّةِ.

تجْري الاِسْتعداداتُ قُبيْلَ رمضانَ لِتُهيّئَ الْمستلزماتِ، حيثُ تتضمَّنُ الْمائدَةُ الإماراتيّةُ وجباتٍ رَئِيسَةً، فِي مُقدِّمَتِها الثريد والهريس، ومِنَ الْحلويَاتِ البلاليط والخبيصة وغيرِها.

بعدَ أداءِ صلاةِ التَّراويحِ تحرصُ الأُسَرُ على تبادُلِ الزِّياراتِ، وتَعْميقِ أواصِرِ الْمَوَدَّةِ عنْ طريقِ عادةِ أصيلَةٍ هِيَ “المير”، والّتِي يَتِمُّ مِنْ خلالِهَا تقديمُ هدَايَا لِلأهْلِ وَالأصْدقاءِ.

أمَّا الصِّغارُ فيرتَدونَ أزياءَهُمْ التَّقليدِيَّةَ، من غندورة وطربوشٍ مُوَشّى بخيوطِ الذَّهَبِ، ويطوفونَ فِي الأحيَاءِ مُردِّدِينَ أهازِيجَ خاصّةً يلتمسونَ منْ خلالِها كرمَ الضِّيافَةِ، والْحصولَ علَى الْحلويَّاتِ والْمُكسَّراتِ.

ويُعنَى أهلُ الإماراتِ بِالعملِ الْخيْرِيِّ، حتَّى إنَّ شبابَ الْبَلدِ تعَوَّدوا الوقوفَ عندَ الإشَاراتِ لِتوزِيعِ وجبَاتِ إفطارٍ على السَّائقينَ والمارَّةِ، ونهَجتْ محطَّاتُ الْوَقودِ هَذا النَّهجَ، فتطوَّعتْ بتقديمِ وجباتٍ مجَّانيةٍ لمنْ يتزوَّدُ بالوقودِ لحظةَ الإفطارِ.

 

7.الصوم في تونس

قد تتشابهُ ساعاتُ الصيامِ في كلِ أقطارِ العالمِ الإسلامي، إلا أن للحظةِ الإفطارِ وما بعدَها نكهةٌ خاصةٌ في كلِ بلدٍ.

شهرُ رمضانَ في تونسَ هو شهرُ المَسرّاتِ الذي تُخصصه الأسُر التونسيةُ لمَواكب الخِطبة للفتياتِ، وحفلاتِ الخِتان للصِبية، وتحديدا ليلةَ السابعِ والعشرين؛ التماساً للنفحاتِ الربانيةِ في ليلةِ القدر.

أما الإفطارُ التونسي فهو نموذجٌ للتعبيرِ عنِ الخُصوصيةِ والهويةِ؛ حيث يتصدّر “البَريك” مائدةَ الإفطار، وهو نوعٌ من الفطائرِ المحشوةِ بالدجاجِ أو اللحمِ، إضافةً إلى الأجبانِ والبصلِ. وحَساء “الفْريك” ثم الطاجينِ الشَعبي الذي تُعده المرأةُ التونسيةُ بإضافةِ اللحمِ والخُضْرواتِ إلى كعكٍ مالحٍ صُنع من البيض والجبن الرومي، ثم يُمزج الخليط ويُخبز في الفرن.

يحرص أربابُ المخابزِ كذلك على تنويعِ معروضاتِهم خلالَ هذا الشهر، بإعدادِ الخُبز المُحلّى بحبةِ البِسْباس وحبة البَرَكة، وأوراقِ العجينِ الشهيرة بـ”المَلْسوقة”.

ليالي رمضانَ في تونسَ هي ليالي الذكرِ والوعظِ والمسامراتِ الروحانية التي يُقبِل عليها أبناءُ جامِعِ الزيتونةِ بشغفٍ كبير.

 

8.الصوم في قطر

لشهرِ رمضانَ في قَطرَ  توقيعُه الخاص، ونفحاتُه التي يتلقاها أبناءُ البلد والوافدونَ إليه.

وككلِ المسلمينَ يُحيي أهلُ قطرٍ عاداتٍ وتقاليدَ متوارَثةٍ، في مقدمتِها الأطباقُ التي تزينُ مائدةَ الإفطار، خاصةً الَثريدُ والهَريسُ، وبعضُ الحلوياتِ، كالمضْروبةِ، واللُقَيمات، والمُحلَبية.

ومن الاحتفالاتِ الخاصة التي ترافقُ شهَر الصوم، ما يسميه أهلُ قطرَ ب” القَرنْقعُوه”، حيث يطوفُ الصِبيةُ ليلة النصفِ من رمضانَ وقد زينُوا خُصورهم بحزامٍ مُلونٍ بالأسود والذهبي، يرددونَ أهازيجَ خاصة؛ ليحصلوا على بعض الحلوياتِ والمُكَسرات.

ولعل ما يميزُ عادةَ الإفطارِ في قَطرَ أن الصائمَ يُفطرُ على وجبةٍ خفيفةٍ قبل أداءِ صلاةِ المغرب، ثم وجبةٍ ثانيةٍ بعد أن يفرُغَ من صلاةِ التراويحِ، وتسمى “الغَبقَة”، وبذلك يَسلم من التخمةِ ومتاعبِ الهضمِ التي عادة ما تُصاحب من يُفْرِطون في تناولِ الطعام.

 

9.الصوم في لبنان

يعكسُ استقبالُ شهرِ رمضانَ في لبنان ما يزخرُ به هذا البلدُ الجميلُ من تنوعٍ ثقافيٍ واجتماعي، حيث تبدأُ الأُسرُ اللبنانيةُ استعداداتِها للشهرِ الفَضِيل باحتفالٍ بسيطٍ أواخر شعبان، يُعرف بـ”سيبَانة رمضان”، كما تحرصُ الفِرَق الصوفيةُ على التِجوال قُبيل رؤيةِ الهلال، مرددةً الأهازيجَ الدينيةَ والمدائحَ التي تُضفي طقسا مَهيبا على مطلَع الشهر الفضيل.

أما مائدةُ الإفطارِ فلا تخلو بدورِها من استدعاءٍ للتقاليدِ الموروثة، حيث تزينُها المرأةُ اللبنانية بأطباق الخَرْنوب،

و الأرنَبية، والجَلاب، والفَتُوش، زيادةً على الحلوياتِ الشعبيةِ، كالقَطايِف، والعُثْمَلية، وزَنُودِ السِّت، وغيرهِا.

وللأجواء الرمضانيةِ أثرُها في إحياءِ مظاهرِ التكافلِ الاجتماعِي، حيث تتسابقُ الجمعياتُ الخيرية  على توزيعِ حِصصِ الإفطار على المعوزينَ للتخفيفِ من الغَلاء الفاحِش في الأسواق.

بعد أداءِ الصلاة تزدحمُ الخيامُ الرمَضانية بُرواد السَمر، في انتظارِ أن يقْرَع المُسَحراتي طبلَته إيذانًا بالسحور استعدادا لصوم يوم جديد.

 

10.الصوم في موريتانيا

يُجسدُ المجتمعُ الموريتاني تلك الوشائجَ العميقةَ بين ما هو إسلاميٌ عربيٌ وما هو امتدادٌ أفريقيٌ، كما يعدُ نموذجا للتديّنِ الفطريّ البسيطِ الذي تتجلى أبرزُ مظاهرِه في شهرِ رمضان، شهرِ البِرِ والصيامِ.

وكعادةِ الأسرِ الإسلاميةِ في كلِ مكانٍ، تبدأُ الاستعداداتُ في موريتانيا قبل الشهر الفضيل، عبر التزودِ بما يلزمُ من مشترياتٍ لإعدادِ مائدةِ الإفطارِ، والتي تَحضُرُ فيها الأطباقُ المفضلةُ لدى الموريتانيين، كشرابِ المَذْقِ “اَزْرِيك” المُعدِ من مسحوقِ الحليب، وطبقِ البُنَافة المكونِ أساساً من اللحمِ والخضارِ، بالإضافةِ للتمرِ والشاي الأخضرِ والحلوياتِ.

وبعد أداء صلاةِ التراويح يُفضلُ أهلُ موريتانيا تناولَ وجبة الكسكسِ باللحم، أما السحورُ فيكثرُ الإقبالُ فيه على الأرزِ المسلوقِ والرائب.

وتشهدُ المساجدُ منذ صلاةِ العصرِ في كلِ يومٍ من أيامِ شهرِ رمضانَ استعداداً لإحياءِ الليلةِ القادمةِ من لياليه المباركة، وذلكَ بترتيل القرآنِ، وعَقْدِ مجالسِ الأحاديثِ النبويةِ والوعظِ والإرشادِ.

 ولعلَ من أجملِ العادات التي يُعنَى بها أهلُ موريتانيا: “زَغْبَة رمضان”، حيث يُترك شعرُ الأطفال دونَ حِلاقة قبل رمضان، ليُحَلق مع اقترابِ حلوله؛ تبرُّكاً بنفحاتِه المباركةِ.

 

11.الصوم في الأردن

لشهرِ رمضانَ طبيعةٌ خاصةٌ في كل البلادِ الإسلاميةِ، ولكلٍّ مِنها عاداتُه وتقاليدُه الّتِي تُميزُهُ عنْ سائرِ الْبلدانِ الأخْرى.

ولِشهرِ رمضانَ فِي الأردنِ، كمَا في البلادِ الإسلاميّةِ بِرُمَّتِها، مكانةٌ خاصَّةٌ تُعبرُ عنهَا العاداتُ والتقاليدُ الّتي يحرصُ الأردنيونَ على إحْيائِها كلَّ سنةٍ. وِمنْها على وجْهِ الْخصوصِ تزيينُ البيوتِ والْمساجدِ والْمحلاتِ بِالفوانيسِ وهِلالِ رمضانَ، وإقامةُ الْخيامِ الرَّمضانيّةِ لإفطارِ الْمحتاجينَ.

وعلى مائدةِ الإفطارِ الرَّمضانيّةِ تتنوعُ الأطباقُ بكلِّ ما لذَّ وطابَ مِنَ الأطعمةِ الشهيَّةِ، لكنْ يظلُّ أبرَزُها طبَقُ “المَنسف”، وهو عبارَةٌ عنْ مرقِ اللّحمِ البلدِيِّ، يُضافُ إليهِ الأرز والرّقاقُ واللَّبنُ الرائبُ، بِالإضافَةِ إلَى “المسخن الحوراني”، وهوَ خبْزٌ مَحْشُوٌّ بالبَصلِ والدَّجاجِ الْمحمَّرِ والسمّاق، يُقْطعُ إلى شَرائحَ مُستطيلةٍ، والفتوش والشعيرية، وغيرها.

وعلى الرَّغمِ مِنْ التطورِ الّذي طرأَ علَى كلِّ مَنَاحي الحيَاةِ فِي كلِّ أنحاءِ العالمِ، ومنْها وسائلُ التواصُلِ، والقَنواتُ الفضائيةُ الْمتعدِّدةُ، وتَغيُّرِ نمطِ الحياةِ، حتَّى إن كثيرين منَ النَّاسِ لا ينامونَ في ليلِ رمضانَ إلا بعدَ صلاةِ الفَجرِ، على الرّغْمِ مِنْ ذلِكَ كُلّهِ لا يَزالُ “المسحراتي ” مَلْمحًا اِجتِماعيًّا يطبَعُ لَيَالي رمضانَ بِخصوصيَّةٍ أرْدنيةٍ مميَّزةٍ، حيثُ يتردَّدُ فِي الأزقَّةِ والحوارِي صوتُ طبلةٍ قديمَةٍ مصحوبَةٍ بنداءِ ” لا إله إلا الله.. رمضانُ كريم والرَّبُ رحيم.. اصح يا نعسانْ .. وحّد الرحمنْ”، ويضيفُ المسحراتي إلى إيقاعِ الطبلَةِ أهازيجَ خاصّةً فِي العشرِ الأواخِرِ لِتوديعِ الشَّهرِ الْفضيلِ.

 

12.الصوم في المغرب

لرمضانَ فِي قلوبِ الْمغاربَةِ مكانَةٌ خاصَّةٌ، وعاداتٌ تعكسُ بهجَةَ اِستقبالِ شهرِ الصّيامِ فِي بلدِ يتنوعُ نسيجُهُ الاِجتماعيُّ والثقافيُ على نَحْوٍ مذهلٍ.

وككلِّ الأسَرِ الْعربيةِ الْمسلِمةِ، يُخصِّصُ المغاربةُ النصفَ الأخيرَ مِنْ شعبانَ لاقتناءِ مَا يلزَمُ لتَحضيرِ الأطباقِ الرئيسِيةِ علَى مائدَةِ الإفطارِ.

 ومنَ الأكلاتِ التِي ترتبطُ بالشَّهرِ الْفضيلِ هناكَ: الحساءُ المغْربيُّ المعروفِ بالحريرة، والذِي تختلفُ طرقُ تحْضيرِه منْ مدينَةٍ إلى أخْرى، ثمَّ البريوات، وهي رقائقُ مِنَ العجِينِ المَحْشُوِّ باللوز أو الخضرواتِ واللَّحمِ المفرومِ، إضافةً إلى الحلوياتِ المتنوعةِ، كالشباكية وغُرَيْبة والزميتة، وغيرِها.

بعدَ الإفطارِ تتوجَّهُ جموعُ الصَّائمينَ إلَى الْمساجِدِ لأدَاءِ الصلاةِ، ثمَّ العودةِ إلى المنازلِ لِتَناولِ وجبَةِ العشاءِ لدَى بعضِهِم، أو لمواصلة السَّمِر في المقَاهي وبيُوتِ الأقرباء، اِنتظارِ موعِدِ السَّحورِ.

الصوم في المغرب

 

13.الصوم في بغداد

للعراقِ تقاليدُه الخاَّصةُ بشهرِ رمضان، والّتِي تعبّرُ عنْ تنوُّعِهِ الثقَافِيِّ والطائِفِيِّ، وتعكسُ خصوصياتِهِ المحلِيةِ.

قبلَ حلولِ الشَّهرِ الكريمِ تستعدُّ الأسرُ العراقيةُ باِقتنَاءِ مَا يلزَمُ لمائدَةِ الإفطارِ مِنَ الأسْواقِ. ويعدُّ سوقُ الشورجة في بغداد من أهمِّ وجهات التَّسَوُّقِ فِي العراقِ.

تزيِّنُ المرأةُ الْعراقيَّةُ مَائدَةَ الإفطارِ بالأطبَاقِ الشعبيةِ الَّتي يكثُرُ الإقْبالُ عليهَا بَعدَ مَشَقَّةِ الصِّيَامِ، وأهَمّهَا الدولمَة، والكبة الحلبية والدليمية، والمقلوبة، ومرق الباميا. أمَّا الْحلوياتُ فتُعَدُّ الزلابية والبقلاوة فِي مقدِّمةِ الأصنافِ الَّتي تَشهَدُ إقْبَالا كَبِيرًا علَى تنَاوُلهَا، بِالإضَافَةِ للَّبَنِ الْباردِ والبرياني والتمرِ، وغيرِها.

مِنْ عاداتِ أهلِ العِراقِ التِي تتجدَّدُ في مْوسِمِ الِّصيامِ تبادُلُ الأطباقِ عنْدَ أذَانِ الْمغربِ؛ لتَمتِينِ أواصرِ الجِيرةِ والْمَحَبَّةِ. أمَّا بعدَ الإفطارِ فإنَّ المسَاجدَ تمتلِئ بالمصلِّين، بينمَا يُقْبِلُ الشبَابُ طيلةَ ليَالي رمضان علَى لعبَةِ “المحيبس” الشعبية، الَّتي تضجُّ بهَا الشَّوارعُ حتَّى وقتِ السَحورِ.

الصوم في بغداد

 

14.الصوم في البحرين

كغيرهَا منَ البُلدانِ الإسْلاميَّةِ، تجعلُ البَحرينُ منْ شهرِ رمضَانَ مناسَبةً لاسْتحضَارِ العادَاتِ الْموروثَةِ، وتمتِينِ أواصِرِ الرَّحمِ والْقرْبَى معَ الأهْلِ. لِذَا يُخصَّصُ الأسبوعَ الأوَّلَ مِنْ الشَّهرِ الْفضيلِ لِزيارَةِ الأكبرِ سنًّا مِنْ أفرادِ الْعائلَةِ، وتَكْثُرُ جلساتُ “الغبقة” الّتِي تتوحَّدُ فيهَا العائلاتُ حولَ موائِدِ السَّمرِ.

وفي رمضانَ تُهيَّأُ موائدُ الإفطارِ بِالأطْباقِ الشَّعبيةِ الّتِي يُقبِلُ عليْها أهلُ البحرين، خاصَّةً الهريس والثريد والشوربة، وأصنافُ الْحلوياتِ كالبلاليط وحلوى الساقو الهنديَّةِ، ولُقمةُ القاضي، وغيْرهَا.

عقبَ الإفطارِ يتَجمَّعُ النَّاسُ فِي المساجدِ لِتلاوةِ القُرآنِ والذِّكرِ، ثمَّ يَقضونَ بَقِيَّةَ السَّهْرةِ فِي بيوتِهِمْ لتبادلِ الأحاديثِ حتَّى وقتِ السّحورِ، بعدَ أنْ تخلَّى أبو طبيلة عنْ مُهِمَّةِ إيقاظِ النَّائمِينَ فِي عصرِ التّلفازِ والأقمارِ الصِّناعيَّةِ.

الصوم في البحرين

 

15.الصوم في ليبيا

تمتزجُ على أرضِ ليبيا الشقيقةِ عاداتٌ مغربيةٌ ومشرقيةٌ؛ لتجعلَ لشهرِ رمضانَ هناك مذاقا خاصا، وحضوراً تأْتَلفُ فيه العاداتُ العربيةُ والأمازيغيةُ الأفريقيةُ.

تبدأُ الاستعداداتُ للشهرِ الَفضيلِ منذُ منتصفِ شعبان، فتُقبِل الأسرُ الليبيةُ على تهيئة الحلويات الرمضانية، كلُقمةِ القاضي، والمَخارِيقَ، والمُعسّلةِ، والقَرينَاتِ، والغُريبةِ، وغيرِهَا.

وتُعد الشوربةُ العربيةُ طبقاً رئيسياً على المائدة الليبية، إلى جانب الأكلةِ الشعبيةِ المعروفةِ بـ”البازين”، وبعضِ المُقبلات مثل الضَولَمة، ورُوشْتة الكُسْكُس، والبوريك، وبالطبع لا ننسى خبزَ التَّنورِ التقليدي الذي لم يَفقُدْ مكانتَهُ المميزةَ أمام هيمنةِ المخابزِ العصريةِ.

وشهرُ رمضانَ هو شهرُ الكرمِ الذي يتنافسُ فيه الليبيونَ للتعبيرِ عن شهامتِهِم ومروءتِهم، فتُبادرُ المنظماتُ الخيرية والكشفية إلى إقامة مئاتِ موائدِ الرحمن، ومن أشهرِها تلك التي تُقام سنوياً خلفَ ضريحِ المجاهدِ الشهيدِ عمرِ المختار.

ولأهل ليبيا عنايةٌ خاصة بالطقوسِ الدينية المصاحبةِ لشهر رمضان، خاصةً حلقاتِ المديحِ التي تٌقام يومياً في المساجدِ، وتحضرُها أعدادٌ غفيرةٌ من الكبارِ والصغارِ على السواءِ.

الصوم في ليبيا

للاستماع للحلقات على أبل بودكاست يمكنك الضغط هنا ( مبادرة خفيفة )

 (( خفيفة- مبادرة المحتوى السهل، برعاية استكتب، وسونديلز)).