ماهو سر نجاح الشركات؟

 

شركة ناجحة وأسباب نجاحها ( شركة صناعات كوك)

كيف استطاعت شركة صناعات كوك ، إحدى أكبر الشركات الخاصة في العالم، أن تحافظ على وتيرة نموها ونجاحها، في ظل تغيرات هائلة؟

وماهي فلسفة العمل التي مكّنتها من الصمود لأربعة عقود، ومضاعفة قيمتها في الميزانية العامة لألفي مرة؟

بطاقم يضم 80 ألف موظف، وعائد سنوي بلغ سنة 2006 حوالي 90 مليار، أكّدت هذه الشركة أن ما يعتبره الآخرون نتائج غير مألوفة، هو حصيلة استكشاف تحقق من خلال التجربة والفشل، قبل أن يتحول إلى سلسلة نجاحات متراكمة. وأن توليفة النمو السريع لا يمكن أن تؤتي أكلها إلا حين ترتكز على نظرية متسقة، وتُطبَّق في جميع جوانب المؤسسة.

وضع تشارلز.جي.كوك دليلا عمليا للنجاح، عرض من خلاله فلسفة شركة صناعات كوك التي مكّنتها من بناء قدرة عالمية المستوى، ومواجهة عشرات من التقلبات الجيوسياسية، والتحقيقات الحكومية، والهجمات الإعلامية، والدعاوى القضائية، وغيرها من المشكلات. إن هذا الصمود بحد ذاته يدل على أن طواقم العمل استوعبت ما سماه جوزيف شومبيتر ب “التدمير الخلاّق ” أي التجاوب الذكي مع التحول الصناعي حين يُدمر الهيكل الاقتصادي القديم ويخلق هيكلا جديدا.

تفخر الشركة بأن توليفة نجاحها تكمن في تطبيق الأبعاد الخمسة للإدارة القائمة على السوق. وهي إطار عمل تبنته الشركة في تسعينيات القرن الماضي، تتيح مبادئه الخمسة ازدهارا في المجتمعات الحرة، وتتمثل في : الرؤية، والفضيلة والموهبة، والعمليات المعرفية، وحقوق اتخاذ القرار، والحوافز.

القواعد الخمس لنجاح الشركات

1- الرؤية:

   إن نجاح أية شركة مرتبط بقدرتها على الصمود والازدهار. ولبلوغ ذلك لابد لها من تحقيق قيمة مستدامة ومتميزة لعملائها؛ بمعنى تقديم منتجات أو خدمات أعلى قيمة من البدائل المتاحة، مع استهلاك موارد أقل. و هنا يتحدد نجاحها بمدى مساهمتها في تحسين حياة العملاء وتلبية احتياجاتهم .

إلا أن تحقيق القيمة بحاجة إلى رؤية تسترشد بها الشركة، وتشتمل على ثلاث خطوات أساسية:

أولا: تحديد الطرق التي يمكن من خلالها تحقيق قيمة متميزة للمجتمع.

ثانيا: إجراء تقييم واقعي لقدرات الشركة، يحدد التحسينات التي يلزم إجراؤها، والقدرات التي يجب إضافتها.

ثالثا: تحديد الفرص التي تحقق من خلالها قدرات الشركة أعلى قيمة لها.

ينبغي أن تتضمن الرؤية استراتيجيات لمواجهة التآكل الحتمي لربحية منتجاتها بفعل المنافسة. فيمكن على سبيل المثال:

– إقامة علاقات عامة وجيدة مع العملاء.

– تأسيس قنوات توزيع يصعب محاكاتها.

– تحسين العلاقة بين الجودة و التكلفة بشكل أسرع مما يفعل المنافسون.

– عدم الاطمئنان الزائد إلى رضى العملاء، والتفكير بشكل استباقي في المنتج أو الخدمة التي ستصبح قيمة لهم في المستقبل.

2- الفضيلة والموهبة:

لاشك أن الموهبة ضرورية لتكون المؤسسة ناجحة، غير أن الفضيلة لا تقل بدورها أهمية. فلا بد أن تعتنق الشركة قيما أساسية هي بمثابة مدونة قواعد للسلوك القويم.

تشمل تلك القواعد كلا من سيادة القانون( وتتضمن المساواة في المعاملة، وحرية التصرف، والحرية الفردية). ومعايير السلوك و( تتمثل في كيفية تصرفنا وتوقعنا لتصرفات الآخرين). وازدهار المجتمعات رهين بممارسة معايير السلوك النافع، مثل الأمانة، واحترام الآخرين وممتلكاتهم، وتحمل المسؤولية، والأخذ بزمام المبادرة على أوسع نطاق.

لكل شركة ثقافتها الخاصة، سواء تلك التي تنشأ عمدا ووفق تخطيط مسبق، أو التي تتحدد بسلوك العاملين أو بفعل قوى أخرى. وفي منظومة الإدارة القائمة على السوق يمكن تحديد عشرة مبادئ توجيهية تتمثل في :

– النزاهة

– تحقيق الامتثال

– تحقيق القيمة الفعلية المتميزة والقضاء على الهدر

– الانضباط و المسؤولية

– التركيز على العميل وإقامة علاقات معه لتلبية احتياجاته بشكل مربح.

– لسعي وراء أفضل معرفة وتطبيقها.

– قبول التغيير وتحدي الوضع الراهن.

– التواضع والأمانة الفكرية.

– الاحترام وتقدير قيمة التنوع.

– الإشباع واستدعاء القدرات الكامنة لخلق القيمة.

3- العمليات المعرفية:

يرتبط نجاح اقتصاد السوق بتفوقه في استثمار المعرفة النافعة. ولكي تحقق الشركة أعلى مراتب الازدهار يتوجب عليها أن تُطوّر آليات لاستيعاب ما يجري حولها من تغيرات في العالم. وتشمل هذه الآليات المقارنةَ المرجعية، والحوار المنتظم مع المتخصصين، و شبكات استحداث التكنولوجيا، وتقوية الصلة بخوادم الأعمال الثرية بالمعلومات.

إن كل معرفة جديدة تُمكّن من طرح منتجات وخدمات عالية القيمة. وبما أن اكتشاف المعرفة وتطبيقها يُساعد على تحسين استخدام الموارد واستهلاكها، فلابد إذن من نهج يقوم على عمليات معرفية لتحقيق القيمة المتميزة. ومن بين تلك العمليات:

  • القياس : أغلب الشركات تعتمد مقاييس الأسعار والربح والخسارة. لكن يجب تطويرها لفهم العوامل المحركة للربح، من خلال قياس الربحية في أصول الشركة واستراتيجياتها وعملائها وموظفيها، واي شيء آخر يمكن قياس ربحيته.
  • التحليل الهامشي : ويُقصد به حساب تكاليف التغيير وفوائده. فهو تحليل يهتم بالفوائد والتكاليف المرتبطة باستثمار إضافي، تسعى من خلاله الشركة لتحسين المردودية. مثلا عند رغبة الشركة في التوسع، فمن الخطأ ألا تدرج تكاليف إضافة عاملين لمجرد أنها تمتلك عمالة زائدة، وإنما يجب إجراء الحسابات الاقتصادية بعد حذف العمالة الزائدة من الأساس، وإضافتها إلى القدر المطلوب في حالة التوسع.
  • المقارنة المرجعية: وهي عملية تحديد الممارسات المتميزة في أي مكان في العالم، والسعي على فهمها وتكييفها لتحقيق نتائج مرضية، وردم الفجوة بين أداء الشركة وأفضل الممارسات في الساحة، سواء تعلق الأمر بالصيانة، أو المبيعات، أو تكنولوجيا المعلومات والحسابات. ومن أمثلة المقارنة المرجعية، ما قامت به شركة خطوط طيران ساوث ويست، لتقليل الوقت المستغرق في إعادة التزود بالوقود، حيث درست أطقم الصيانة في سباقات السيارات القياسية (ناسكار)؛ واليوم أصبحت شركات الطيران الأخرى تثجري مقارناتها المرجعية نسبة إلى ساوث ويست.
  • تكلفة الفرصة البديلة: إن العمل في نشاط مربح يُعد هدرا، عندما يتوافر نشاط آخر أكثر رحبا يمكن القيام به. لذا من الضروري معرفة هذا النوع من الهدر، من خلال الدراسة المتمعنة لكافة الفرص و البدائل.

         إن صنع القرار القائم على تكلفة الفرصة البديلة تلخصه العبارة التالية : لا تقس نفسك وفق ما أنجزته، وإنما وفق ما كان يجدر بك أن تنجزه             بما تمتلكه من قدرة.

  •  مراكز الربح: تحويل المصنع إلى مركز ربح يعني أنه إلى جانب إنتاج المنتجات وبيعها وتسليمها، فإنه يجب أن يهتم بأنشطة الدعم، مثل الحسابات و الخدمات الائتمانية. وقياس ربحية الوظائف و المشاريع الداخلية، وربحية الموظفين والأفراد وتتبع مساهماتهم عبر السنوات، إضافة إلى إجراء تقييم سنوي شامل.

4- حقوق صنع القرار:

وتعني التحديد الواضح لأدوار الموظفين ومسؤولياتهم وصلاحياتهم. وهذا التحديد يساعدهم على تخصيص موارد الشركة بما يحقق القيمة المرجوة بكفاءة أكبر وتكلفة أقل. ويحقق هذا الأمر أيضا استثمارا لكل المواهب وأنواع الذكاء بشكل يؤدي إلى تحسين إنتاجية العمل. وتقسيم الأدوار اعتمادا على ما يتمتع به الفرد من قيم ومواهب وخبرة مقارَنة بالآخرين.

5- الحوافز:  

استخدام الحوافز يهدف إلى تحقيق التكافؤ بين مصالح الموظف ومصالح كل من الشركة والمجتمع. وليس الهدف منها أن يتحمس العامل للنجاح فحسب، وإنما أن يُركز جهده ووقته في مسار الأكثر إنتاجية.

في الإدارة القائمة على السوق، ينبغي أن يكون أفضل حافز هو الذي يستحث العامل على تحقيق القيمة القصوى للشركة على مدار حياته المهنية، ومن خصائصه أن يراعي مدى استعداد الفرد للمخاطرة، وشكل المكافأة ومقدارها. وهذا يقتضي إقامة علاقات مفتوحة معهم لتحديد الحافز المناسب لكل فئة.

إن مما يضفي قيمة على هذا الدليل العملي، أن مبادئه وقواعده يمكن تطبيقها، ليس فقط على الشركات، وإنما أيضا في المؤسسات الخيرية والحكومية. ولتفادي سوء التطبيق يجب استحضار أن الإدارة القائمة على السوق نظام شمولي متكامل، لا يمكن تحقيقه بربط الأجزاء ببعضها، ولكن من خلال فهم عميق للفلسفة التي يستند إليها.

 

حقوق الصورة