فن التصفح من سلسلة كيف تنتقي كتاباً من المكتبة

 

أثناء تجوالك في ردهات مكتبة أو أروقة معرض للكتاب، تستهويك الأغلفة الزاهية، والعناوين المثيرة التي قد تُفصح لك عن المحتوى بأسلوب شيق، أو تُطَلْسِمه بحسب رغبة المؤلف لخلق مزيد من الإثارة، فتشعر برغبة عارمة لاقتناء كتاب من بين مئات العناوين المعروضة. لكن أيٌّ منها سيقع عليه الاختيار؟ وهل من وصفة مُجَربة تتيح لك الإمساك خلال دقائق بخيوط الكتاب والكشف عن محتواه ؟

يتطلب الأمر تصفّح الكتاب، أو كما يسميه البعض قراءة استكشافية، وهو فن يتيح لك مع مرور الأيام اكتساب ذوق معرفي مميز، والوصول في بضع دقائق إلى حكم جيد على الكتاب قبل اقتنائه.

الخطوة الأولى

هي إلقاء نظرة على مقدمة الكتاب التي تكشف دوافع التأليف، والقضية التي تشغل المؤلف، إضافة إلى تحديد بعض ملامح شخصيته إن لم يكن من الأسماء المتداولة. بعض الكتب تستبق المقدمة بعرض آراء كُتاب وصحفيين، ودائما ما تكون الآراء محفزة لشراء الكتاب. معظمهم سَحَرة موسى فاقلب الصفحة!

الخطوة الثانية

مراجعة الفهرس للتعرف على المخطط الكلي للكتاب، وطبيعة التصميم الذي اعتمده المؤلف. ولا بأس بإلقاء نظرة على المصادر والمراجع التي تؤكد جدية الطرح من عدمه.

أما الخطوة الثالثة

فهي إجراء قراءة سريعة لبعض الفقرات التي تُقرّبُك من جوهر القضية وأهم الأفكار المعروضة. إذا كان النص عملا أدبيا فستظهر بعض اللُمَع والإشارات التي تؤكد العمق الفني أو تكشف سطحيته !

جودة الورق وحِرَفيَة الطباعة ميزتان ضروريتان لاقتناء الكتب، لكن لا تصدق بالضرورة كل الإصدارات الفاخرة. أحيانا يقع المرء ضحية كتاب أنيق بغلاف ملون زاه وإرشادات أشبه بالتي يصادفها في الفنادق. الكتاب وجبة لابد أن يتذوقها المرء قبل تناولها، لذا ففن التصفح خطوة أساسية لكل باحث عن تشييد عالمه القرائي بعيدا عن مطبات العزوف.

 

هناك كتب لا تساوي حتى ثمن الحبر الذي كُتبت به، وأخرى تستهدف إفساد الذوق القرائي.

ليس كل مؤلف رجلا حكيما يضيف شيئا للمعرفة الإنسانية، فهناك الدجالون والحمقى، والباحثون عن شهرة مصطنعة أو تبرير لقب أكاديمي زائف. إن سوق الكتب اليوم لا يختلف عن سوق الخضار من حيث السعي اللئيم إلى خلط الأصناف الجيدة بالرديئة، ودفع القرّاء إلى اتباع الموضة واللهاث خلف أسماء جرى تسويقها بخبث شديد.

إن النظرة التصفحية مصفاة تُبعد عن حسّك القرائي ما يؤذيه من شوائب، حتى يتيسر لك الانتقال إلى مرحلة لاحقة تتعدد فيها أساليب القراءة تبعا لاختلاف الأمزجة .

ماهي هذه الأساليب إذن؟ ذاك ما سنلقي عليه إطلالة في الحلقة المقبلة.