حوار مع أحمد مشرف

 

كيف هي الحياة عندما تصل إلى الثلاثين؟

تساؤل افترضه وأجاب عنه في مقالته الماتعة (عمر الثلاثين) يسرد فيها رحلته الثلاثينية لتأتي على هيئة تلخيص لسيرة شاب سعودي، من أبناء المدينة المنورة وسكّان جدة، وأب للبنات. كرّس شغفه في الكتابة عن العمل والفن وسيكولوجيا الإنسان، وشحذ طاقات الشباب في الكتابة، محاذراً الاقتراب من ميادين السياسة والجدال الديني.

مؤلف وكاتب شبه يومي في صفحته، له أكثر من خمسمئة وعشرون مقالة منشورة وحتى كتابة هذه السطور. صدر له ثلاثة كُتب (ثورة الفن كيف يعمل الفنان وكيف يعمل الآخرون، ومدوان: عن العمل والفن وسيكولوجيا الإنسان، وإصداره الأخير وهم الإنجاز: كيف يتحرك العامة وماذا يحفزهم)

ضيف برنامجنا «لقاء في استكتب»، هو الكاتب المبدع أحمد حسن مشرف، فأهلا ومرحبا بك.
  • أحمد مشرف، كيف بدأت رحلتك في الكتابة، ومن وما الذي جعلك تبدأ، ومن الذي شجعك لتستمر؟

حقيقًة كُنت أكتب منذ سن صغير، وكمشكلة الكثير من أبناء المجتمعات العربية، فإننا ننسى أنفسنا وفنوننا عندما نكبر. حتى عُدت لاكتشاف حبي للكتاب عام ٢٠١٣م (بالصدفة). عندما انتهت شراكتي من إحدى الشركات التي شاركت/عملت فيها -لأسباب يطول شرحها هنا- ولأقوم باستثمار الكثير من الوقت الفارغ في حياتي الجديدة بالكثير من القراءة (ومجالسة طفلتي سيرين)، وهذا ما قادني لمحاولة الكتابة، ومنها لقرار الانتظام فيها عبر نشر مقالات يومية.

بدأت بمقالة ثم اثنتين حتى وصلت لمقالتي رقم مئة، وبعدها قررت المباشرة في كتابة كتاب ثورة الفن.

الذي شجعني للاستمرار، كان أولها باختصار اكتشافي أن الآخرين قد «أعطوني وجه» وبدأوا بقراءتهم لمقالاتي التي كُنت أكتبها في مدونتي. وثانيها، قراءتي لكتابين هم On Writing  للكاتب العظيم ستيفن كينج وكتاب The War of Art للعظيم الآخر ستيفن بريسفيلد. واللذان جعلوني أستوعب أن الكتابة عبارة عن حِرفة، وليست موهبة كما يعتقد الأغلبية من العامة. وأدّعي النجاح في تطبيق ما أقوله دومًا لأحبتي وأصدقائي «متى كانت المرة الأخيرة التي جربت فيهًا شيئاً للمرة الأولى؟» …  وقد جرّبت الكتابة، ومشى الحال معي.

  • في إحدى مقالاتك قلت بأن 70% من مقالاتك كتبها على الجوال، فهل هذا يعني أنك انعتقت من القلم؟

إذا كُنت تقصد القلم الفيزيائي (الحبر) فالإجابة المختصرة: نعم؛ أستخدمه في كتابة ملاحظاتي فقط على دفتر الملاحظات الخاص بي.

كتابة نص طويل كمقالة أو كتاب بالقلم الحِبر ثم تحويله على الكمبيوتر عبارة عن مضيعة للجهد والوقت في رأيي، لأنه سيشغل الكاتب برسم الحروف عوضًا عن تفريغ الأفكار والكلمات. [أنا من فئة الناس التي تميل أكثر للتكنلوجيا بشكل عام].

وبخصوص استخدامي للهاتف الجوال بكتابة ٧٠٪ من مقالاتي، هذه المعلومة دقيقة حتى عام ٢٠١٦م، لأنني استبدلت آنذاك هاتفي الآندرويد بآيفون، وتطبيق المدونة على الهاتف الأخير ليس مريحًا بصراحة. مما اضطرني لاستقرار كتاباتي على الكمبيوتر معظم الوقت.

حرصي على ذِكر هذا الأمر، هو محاولة إقناع الأحبّة من الكُتّاب المبتدئين مثلي، أن عادة الكتابة يمكن أن تُحقق، سواءً على الكمبيوتر أو الهاتف الجوال، العنصر الأهمّ هنا في المعادلة هو الاستمرار.

  • آثرت الكتابة عن سيكولوجية الإنسان وابتعدت عن المشاكل الاجتماعية، ألا ترى أن المشاكل الاجتماعية مهما كان شكلها، هي جزء من “الإنسان”؟

الصُحف الورقية وحسابات التواصل تُغطي معظم مشاكلنا الاجتماعية، وأميل في هذا الصدد أكثر لتحليل ما خلفها. على كل حال، أحرص دومًا على سؤال نفسي «هل المقالة التي أكتبها الآن تصلح لأن يقرأها القارئ بعد عشرة سنوات؟» إن كانت الإجابة نعم، فإنني أكتبها، وأخشى أن حالات كثيرة لا يمكنني إسقاط هذا الأمر على مشاكلنا الاجتماعية الدارجة.

  • هل الكتابة بالنسبة لك مهمة منضبطة بعامل الوقت أم الإلهام؟

انتظار الإلهام هو حجة الكسالى والخائفين. الانضباط في الكتابة هو كل شيء. أو كما تقول دوروثي باركر «الكتابة: هي فن وضع المؤخرة على الكرسي».

عدد الكلمات هو المعيار الأهم في حياة الإنسان الذي يكتب. وأحرص على ألا أنزل عن عدد ٥٠٠ كلمة أكتبها أو أدققها يوميًا.

٢٠٠٠ كلمة، هي الرقم الذي يشعرني بالرضا عندما أنجزه في يومي العملي.

  • ما هو تقييمك لمستوى الكتّاب في السعودية خاصة؟

سأفترض أنني واقعي أكثر من كوني سلبي إن قلت رأيًا مفاده أن الوضع العام للكُتاب في السعودية (والخليج بشكل عام) سيء وغير مرضي لي كقارئ بصراحة. فالكثير من الكُتاب الشباب من وجهة نظري لا يحرصون على صرف المزيد من الجهد والوقت في إخراج كتاباتهم التي يغلب عليها الخواطر والسجع والنصوص المتناثرة، بعيدًا عن التركيز في خلق روايات مكتملة الأركان، أو كتابة كُتب بحثية عميقة. وعوضًا عنها يتجهون للتركيز على إخراج كُتب لمجرد النشر، بحثآ عن مكانة اجتماعية إضافية. وقد وثقت رأيي الكامل لهذا الأمر في عدة مقالات كان أهمها (لماذا تمتلكني رغبة بالتوقف عن قراءة الكُتب العربية؟).

  • ما هي رؤيتك لمستوى المحتوى العربي؟

يعجبني جدًا أداء الكُتاب في دولة مصر (خصوصًا الشباب)، إلا أن التحدي الأكبر في رأيي يكمن في ضعف نقاط البيع لديهم (حسبما سمعت يوجد في مصر أقل من خمسين فرع لمكتبات تبيع لأكثر من ثمانين مليون نسمة)، وانخفاض العُملة، وهذا ما يخلق تحدٍ كبير في قدرة الكاتب هناك بالاتجاه للكتابة كمصدر دخل رئيسي. ناهيك عن حجم التزوير الكبير لديهم ولدى بعض الدول العربية. سوق مكتبات دول المغرب العربي والشام غير مرتبة من ناحية هيكلية، ودول الخليج مجتمعة (باستثناء السعودية) لا تمثل سوق أو قوة شرائية كبيرة بالنسبة للكاتب، وهذا ما يشكل تحدٍ كبير لخلق المزيد من المحتوى إن قارنّاه مع سوق الولايات المتحدة شديد التنظيم عالي القوة الشرائية (أكثر من ٤٠٠ مليون نسمة) يتحدثون بلغة ولهجة واحدة تقريبًا. ولا تنس أن أغلب دول العالم تستطيع امتصاص المحتوى باللغة الإنجليزية!

الكاتب (حتى المبتدئ) يملك فرص مضاعفة للنجاح إن كان يكتب باللغة الإنجليزية، عن قرينه باللغة العربية.

رؤيتي -مع الأسف- ليست واضحة، لكن ربما أقول بشكل حزين أن المحتوى العربي القرائي غير متطور بالمقارنة مع المحتوى باللغة الإنجليزية، والذي يمكن لك الوصول إليه بعدة طُرق من خلال مواقع البيع كأمازون وجهازهم (كيندل). وطبعًا، قضية التعامل مع دور النشر العربية قصة حزينة أخرى، لا داعي لذكرها هنا.

  • لقد جعلت سرعة التصديق وسرعة الإنكار إحدى علامات السذاجة، فما هو سبب انتشارها بكثرة – لاسيما في وقتنا الحالي – وما هو الحل أمام المحتوى الذي يعبر عن مستويات متدنية من الدقة والتوثيق في العالم العربي؟

سببين لانتشارها في رأيي: أننا كعرب عاطفيين بطبعنا أكثر من كوننا عقلانيين، وسرعة التصديق أو الإنكار تتواءم جدًا مع هذه الطبيعة، والتي إن سمعنا فيها رأيًا يلائمنا سرعان ما نصدقه ونبتلعه، والعكس صحيح. أو كما يقول جوستاڤ لوبون: «العامة لا يتعطشون أبدًا لمعرفة الحقيقة، ولا يلتفتون للحقائق التي لا تُناسب ذوقهم. يفضلون تعظيم الخطأ؛ إن كان الخطأ أكثر إغراءً لهم».

مستويات التدني في دقّة التوثيق يعود إلى سببين لا ثالث لهما، الأول هو السبب الذي قلته قبل قليل، والثاني ربما أعوزه لكسل كاتب المحتوى عن التمحيص والبحث، في عالم سريع جدًا كالذي نعيشه، ليكتفي بنثر آراء مجردة.

  • في مقالتك الأخيرة عن ساعة الحقيقة، تحدثت عن نقطة المواجهة والمصارحة، برأيك لماذا يفتقد عالمنا العربي إلى الشفافية والصراحة، حتى في أصغر المشاريع، والذي يعد عائقا حقيقياً أمام الدفع بعجلة التطوير وسد الثغرات على جميع المستويات؟ ولماذا تفتقر ساحات الكتابة لمقالات جلد هذه المظاهر؟

نفس إجابة السؤال السابق!

  • في كتابك ثورة الفن، أشرت إلى أنه يوفر فسحة للانعتاق من عبودية الوظيفة، فهل هذا يعني أنك من أنصار العمل الحر؟ وما هي النصائح التي توجهها للشباب العربي في هذا المجال؟

لا لستُ أبدًا ضد الوظيفة. وهذا مع الأسف أحد الأمور التي أُسيء فهمها من الكتاب. أنا ضد تأدية العمل دون روح كالآلات. وشجعت من خلال الكتاب تبني مفهوم أداء العمل كالفنانين بتفاصيل كثيرة، سواءً كنت في وظيفة، أو عمل حر، أو تمارس فنًا معيناً.

نصيحتي: أن يقرؤوا كتاب ثورة الفن ووهم الإنجاز  🙂

  • في كتابك ” مدوان ” جمعت أبرز ما تناولته مدونتك من مقالات، فهل سيكون لهذا الكتاب إصدار آخر كنوع من “التحديث”؟

سؤال صعب جدًا، لأن كتاب مدوان لم ينجح بكل صراحة (وقد كنت متهيئاً لهذا الأمر نفسيًا) فقد وجدت أن القارئ الكريم لا يميل كثيرًا إلى كتب المقالات.

لكن الله أعلم عن المستقبل!

  • قلت بأن الفن سلوك، فما هي معايير سلوكيات الكاتب؟

الانضباط الانضباط الانضباط … بالكتابة اليومية. وبعدها كل شيء سيكون أسهل.

  • بعد أن دفعت العولمة كثيرا من الكُتاب والمثقفين لمواجهة السوق بمفردهم، هل ترى أن حضورهم تعزز أم تراجع، خاصة في ظل البدائل التكنولوجيا؟

تعزز طبعًا، لم يكن بمقدوري نشر كتاباتي بسهولة قبل خمسين سنة إن لم أستطع إقناع الصحيفة الفلانية أو دور النشر الفلانية بنشرها. وها أنا اليوم قد نشرت أكثر من خمسمئة مقالة دون إذن من أحد، وعلاقاتي مباشرة مع قرائي الأفاضل دون وجود جهة في المنتصف. ولعلّ التحدّي الأكبر أن البقاء سيكون للأقوى على أيّة حال.

  • المحاضرات المرئية والكتب المسموعة، هل أسهمت في تعزيز الوعي الثقافي والرفع من المقروئية أم لا يزال العزوف عملة رائجة في أوساط الشباب؟

أسهمت بشكل لا يمكن تخيله، فهي البديل الأول للقراءة إن حسبناها كذلك. يجب أن نستوعب أننا لا نمرّ بأزمة ثقافة أو نقص معلومات، فالإنترنت مفتوح، ويوتيوب يعلمك كل شيء. أزمتنا الحقيقية في الحفاظ على عدم التشتت والتركيز، وصرف المزيد من الوقت على أمور مهمة تخلق لنا قيمة.

شخصيًا أنا من أكثر الأشخاص الذين يستمتعون بسماع الكتاب الصوتي بالمناسبة.

  • مشروعك القادم هو ” وهم الإنجاز” كيف يتحرك العامة، حدّثنا عنه.

تم بحمد الله استخراج الفسح وطباعة الكتاب، وسيكون متوفرًا بحول الله في أواسط شهر يوليو ٢٠١٨م في معظم نقاط البيع في المملكة والخليج. يتحدث الكتاب عن سلوكيات أطلقت عليها مجازًا وهم إنجاز، وفرقتها عمّا أسميته «العمل الحقيقي». وهو كتاب بحثي عن جوانب عديدة من ناحية اجتماعية ونفسية، أعتبره لحدٍ كبير مكمل لكتاب ثورة الفن.

  • ما هو رأيك بمنصة استكتب، وما هي نصائحك لها؟

أتمنى لكم التوفيق من قلبي، وأشجع على الاستمرارية، ولعلني أجد أهم عنصر لكم في صناعة أو تدقيق أو خلق أي محتوى كتابي وهو الحقيقة. إياكم والتحذلق، وابتعدوا عن الألفاظ الرنانة والشعرية التي في غير محلها، أيًا كان محتواكم الذي تعملون فيه.