الإعلامية روان الضامن

 في لقاء مع استكتب

النكبة، وأصحاب البلاد، والسلام المرّ، وثمن أوسلو، ورائدات هي أسماء لوثائقيات أعدتها وأخرجتها إعلامية فلسطينية بارزة، حملت همّ قضيتها وأفردت لها أفكارها وخبرتها العلمية والتقنية لإيصالها للآخرين بصورة أقل ما يقال عنها أنها “إبداعية”.

تخرجت من معهد الإعلام في جامعة بيرزيت عام 2001، وحصلت على دبلوم في إخراج الأفلام الوثائقية من مؤسسة Fogo السويدية للتدريب، وعلى ماجستير في الإعلام التلفزيوني من جامعة ليدز في بريطانيا عام 2003.

حاضرت في جامعة بيرزيت في فلسطين والبترا بالأردن، وعينت مستشارة إعلامية لمكتب منظمة اليونيسيف الإقليمي.

شاركت مع شقيقتها في تأليف عدة كتب هي: أطفال فلسطين قبل 1948، والتهجير في ذاكرة الطفولة، ومدارسنا في قفص الاتهام. عملت معدة ومقدمة برامج في التلفزيون الأردني من 2004 إلى 2006 ثم في شبكة الجزيرة الإعلامية مسؤولة في قناة الجزيرة الإخبارية عن برنامجي تحت المجهر وفلسطين تحت المجهر من 2006 إلى 2016، حيث أشرفت على أكثر من 250 وثائقيا ترجمت عشرات منها للإنجليزية وبثت على قناة الجزيرة الناطقة بالإنجليزية، وتعمل اليوم مديرة لمؤسسة “ستريم” للاستشارات الإعلامية، تقدم التدريبات والاستشارات الإعلامية المتخصصة على المستويين العربي والدولي.

من خلال وثائقي النكبة، وهو عمل يوثق للفترة ما بين 1799 إلى النكبة المستمرة اليوم، ويعكس الخطط الخفية لتحويل فلسطين إلى مشروع صهيوني استعماري تمكنت من حصد جائزة أفضل فيلم وثائقي طويل عن فلسطين في مهرجان الجزيرة الخامس للأفلام الوثائقية وجائزة الجمهور في مهرجان آمال AMAL EUROARAB FILMFESTIVAL  بإسبانيا، وترجم وثائقي النكبة لعشر لغات متاحة جميعا على اليوتيوب: https://bit.ly/2ghsa8z

وقادت وأطلقت عبر شبكة الجزيرة مشروع ريمكس فلسطين، وهو موقع تفاعلي باللغات العربية والانجليزية والتركية والبوسنية والإسبانية يهدف إلى تمكين المستخدم من إنتاج قصص جديدة عن فلسطين من عشرات الوثائقيات المحترفة عن فلسطين، ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ضيفتنا المتألقة في برنامجنا الحواري لقاء في استكتب، الإعلامية روان الضامن، فأهلا ومرحبا بك.

  1. أستاذة روان نرجو لو تحدثينا عن طفولتك، البيئة التي ترعرعت فيها، ميولك الأدبية، بمن تأثرت؟

شكرا جزيلا لكم على المبادرة بالتواصل، وهذا اللقاء. طفولتي كانت هانئة، بحمد الله، برعاية خاصة من والدي ووالدتي، والدي جمال الضامن مهندس مدني، ووالدتي ريما كمال باحثة اقتصادية وكاتبة، وأنا أكبر أبنائهما، ولدت في عمان بالأردن، ولي أخت وأخ أصغر مني: ديما وأحمد. لقد نشأنا ثلاثتنا في بيئة منزلية خاصة جدا، إذ كان فيها قدر عالي جدا من الحرية والاستقلالية، ولذا تعودنا دائما أن نقول رأينا وأن يحترم رأينا، منذ سن الطفولة المبكر. وكنا عندما نرجع من المدرسة، ننتقد يوميا على طاولة الغذاء ما حصل من أخطاء في المدرسة، أخطاء يقوم بها الأساتذة والطلاب، وكان والداي يشجعاننا على النقد البناء وعلى اكتشاف الخطأ والصواب، وهذا كان له أثر كبير أعتقد في تفكيري لاحقا، إذ أنني نشأت على قيم الحق والعدل، ولذلك لا أسكت عن الظلم أبدا. كما أننا كنا في المنزل لا نضيع الوقت أبدا، فليس هناك شيء اسمه “وقت فراغ” لذا نشأت أحب العمل الجاد كثيرا، واستمتع بالعمل، واعتبره هو المتعة الحقيقية. تأثرت بكل من قرأت لهم في مرحلة الطفولة والمراهقة، فقد قرأت مئات الكتب في تلك المرحلة، بتشجيع من والداي، ولكن بالطبع يبقى الأديب المفضل بالنسبة لي هو الشهيد الراحل غسان كنفاني، فأنا أعتبر من لم يقرأ غسان بعمق (سواء رواياته أو قصصه القصيرة أو مسرحياته أو دراساته) فهو لم يقرأ فلسطين الحقيقية، لأن غسان سبق عصره وقدم فلسطين بطريقة إبداعية. أعتقد أن الوحيد فلسطينيا الذي تبعه بفكرة “مشروع أدبي روائي عن فلسطين” في وقتنا الحالي هو الأديب الفذ إبراهيم نصر الله، والذي قرأته لاحقا عندما كبرت.

  1. كيف كانت بداياتك الأدبية؟

لم تكن ميولي أدبية في صغري، كنت أحب الكتابة، وكتبت في الصحف الأردنية وأنا في الابتدائي مقالات في صفحات الأطفال، ومثلت مسلسلا للأطفال اسمه “أوراق الصغار – الكمان الحزين” وأنا في الثامنة من العمر، وكانت لي ميول في البحث، خاصة في التاريخ الشفوي لفلسطين، حيث عملت مع شقيقتي ست سنوات أثناء المدرسة على ذلك، لكن ميولي بشكل عام كانت علمية وليست أدبية، إذ كنت أحب العلوم والتجارب العلمية كثيرا، وعندما كبرت في الثانوية، كانت الفيزياء مادتي المفضلة، ودخلت التوجيهي العلمي وكنت من العشرة الأوائل في التوجيهي العلمي، فكنت ممن يعشقون الرياضيات والعلوم، أكثر من الأدب عموما.

  1. ما الذي دفعك، إذن، لاختيار مسار الوثائقيات عن بقية المسارات العلمية والأدبية وحتى الإعلامية؟

أشكرك على هذا السؤال، في مرحلة الثانوية، أعتقد في الصف الحادي عشر، ذهبت مع والدتي لزيارة للجامعة وأحضرت الكتيب الذي فيه كل مواد الجامعة، ودرستها جميعا، وآنذاك وجدتني ميالة بقوة لدراسة علم الاجتماع والإعلام، أصبح حلمي أن أقدم برامج إعلامية عن المجتمع وللمجتمع. لم أكن مدركة في ذلك الوقت أنني سأتخصص في الوثائقيات.

واستغرب عدد من أقاربنا وأصدقائنا أنني من العشرة الأوائل في التوجيهي العلمي ثم أختار الالتحاق بكلية الآداب، وكان هناك طرفة قالها لي أستاذ في الجامعة: “لو قسمنا معدلك اثنين، يدخل به طالبان كلية الآداب!”، لكنني سعيدة أنني اخترت شيئا أحبه، وأدعو الجميع لمحاولة أن يعرفوا ما يحبون فعلا وأن يدرسوا ما يحبون لأن هذا سيجعل العمل لاحقا كأنه هواية وليس عبئا.

لذا بعد دخولي البكالوريوس في جامعة بيرزيت ودراسة تخصصي علم الاجتماع والإعلام، جربت الكتابة الصحفية والعمل الإذاعي والعمل التلفزيوني، وأشكال العمل التلفزيوني المختلفة الأخبار، والتقارير، والبرامج المنوعة، والحواريات، وحتى الدراما، لكن أكثر ما استهواني هو “الوثائقيات”، خاصة حين أنجزت إعدادا وتصويرا أول وثائقي في حياتي، في السنة الرابعة من الجامعة بعنوان في انتظار النور” ومدته ١٠ دقائق،  وأرسلته لمهرجان ميلانو في إيطاليا، وعرضته في الولايات المتحدة في نفس العام، ٢٠٠١، وشاهدت رد فعل الجمهور الأمريكي، إذ تناول الوثائقي قصة عائلة مسيحية في مدينة رام الله أثناء الانتفاضة الثانية، وكان من الأسئلة التي جاءتني في أول عرض في واشنطن: “ماذا تعني بالمسيحيين الفلسطينيين؟” وكان جوابي “المسيح من فلسطين”! آنذاك أدركت أن التشويه لقضية وقصة فلسطين هائل، وأن هناك جهدا يجب أن يبذل أكثر وأكثر، وأن الوثائقي الجيد الجاد هو “أداة للتغيير” في المجتمع وفي الأفكار، ويعيش طويلا. صحيح أن من عيوبه أنه يأخذ وقتا طويلا جدا في البحث والإعداد والإنتاج، لكن من محاسنه أنه يعيش طويلا ويمكن استخدامه وإعادة استخدامه، ولذلك قررت أن هذا هو الطريق الذي يجمع بين المجتمع والإعلام بكفاءة، هو الوثائقيات، وهو ما كرست حياتي له ابتداء بالوثائقي التلفزيوني ثم الرقمي من عام ٢٠٠١ إلى اليوم.

روان الضامن

  1. ما هي مقومات الكتابة الوثائقية؟

سؤال جميل، فعلا للكتابة للوثائقيات مقومات، طبعا تنطلق من الكتابة للصورة، وعدم تكرار ما تقوله الصورة، لكن يضاف إليها أن المعلوماتية والعمق يجب أن يكون الأعلى بين جميع أنواع الكتابة للصورة، وأن تكون معتمدة على بحث عميق وتقدم بطريقة مختصرة ولا تكرر مقابلات الضيوف والخبراء وشهود العيان، إن كانوا موجودين. ذلك أن الوثائقي هو “وثيقة” بحد ذاته، وهذا للأسف ما لا ينطبق على بعض الوثائقيات الناطقة باللغة العربية، فيكون الوثائقي مليئا بالأخطاء المعلوماتية بحد ذاته أو شاعري اللغة بحيث يكون نص الراوي أدبيا مشحونا بالعواطف ولا معلومات فيه أو استعراضيا بالفنون اللغوية دون أي عمق، وهذا ما يجعل الكتابة الوثائقية باللغة العربية بحاجة إلى ثورة حقيقية لتكون مشحونة بالمعلومات المفيدة للمشاهد والمتلقي. وأنا فخورة بتجربة وثائقي السلام المر”  و”الطريق إلى ٢٥ يناير”  لأن كليهما اعتمد على النص فقط (نص الراوي) دون أي مقابلات، وذلك لاهتمامي أن أقدم تجربة في مجال الكتابة الوثائقية العربية. ولا ننسى أن هناك وثائقيات بلا نص أو نص مختصر جدا، وهنا لا يكون التحدي بسيطا، فعملية أن تقوم المقاطع الصوتية للضيوف بدل النص بكفاءة هي ليست سهلة وتحتاج إجراء مقابلات طويلة وبحثا عميقا ومونتاجا دقيقا.

  1. يرى الناقد السينمائي الاسكتلندي جون جريرسون أن الوثائقي هو “المعالجة الخلاقة للواقع”. في ظل انعدام الشفافية في البلاد العربية عموماً، كيف يمكننا الوصول إلى توثيق حقيقي عن الأحداث التي تتطلب توثيقاً بالفعل ومعالجتها بشكل خلاق؟

إن التحدي كبير في الوثائقيات التي تتناول التاريخ أو الواقع العربي، لغياب المعلومات والأرشيف المتاح، ورقيا وصوريا، لكن هذا التحدي يجعل صناع الوثائقي أكثر تمسكا بأهمية التوثيق، خاصة أن الدولة الرسمية أو المنتصر هو من يكتب كتب التاريخ عادة، وكتب التاريخ المدرسية لاحقا، ولذلك علينا أن نوثق “التاريخ الآخر” إن جاز التعبير، في وثائقياتنا، وهذا متاح، بالاجتهاد والبحث العميق، والصدق مع النفس ومع الآخر (المشاهد أو المتلقي) والقصة (جوهر الوثائقي)، فإن كنت صادقا مع القصة تستطيع تقديمها بطريقة صادقة وخلاقة. الوثائقي ليس الواقع، فقصة في الواقع يمكن أن تكون استمرت ١٠٠ عام، لكنها تقدم في الوثائقي في ٣٠ دقيقة أو في ١٠ دقائق، وبالتالي هي ليست الواقع، لكنها طريقة “صادقة” و”خلاقة” للتعبير عن جزء من الواقع.

  1. ما هو الموضوع الذي ترغبين بإعداد وثائقي عنه؟

ليس موضوعا، إنما قضايا وزوايا، فكل صانع وثائقي هو صانع للقصص ومقدر عال للقصص وأهميتها في حياة الإنسان، لذا يستمع للقصص دوما، يكررها، يعيشها وينتجها أو يعيد إنتاجها، ولذلك دائما أحمل في جعبتي قصصا كثيرة، وأرهق أصدقائي بقصصي التي لا تنتهي، حتى بعضهم يقول عني مزاحا “راديو مفتوح”! وأتمنى لو أستطيع أن أصنعها كلها وثائقيات، لكن الوثائقي يستغرق وقتا وجهدا كبيرا، نفسيا وماديا، ولذلك لا تستطيع أن تصنع كل ما تحب، لكن المهم أن تحب ما تصنع وتبذل فيه كل ما تستطيع ليستطيع أن يعيش. الأفكار والمواضيع على قارعة الطريق، متاحة للجميع، المهم ما الزاوية التي سيقدمها الوثائقي، ما الجديد الذي سيقدمه، هذا هو التحدي.

  1. ما الأصح أن نقول “الفلم” الوثائقي أو “الفيلم” الوثائقي أم “الوثائقي”؟

شكرا جزيلا لهذا السؤال. الفلم أو الفيلم يعني أن المادة سينمائية في الأساس، هذا المصطلح انطلق من عالم السينما، والوثائقيات العربية في غالبيتها العظمى تلفزيونية أو رقمية، لذا نحاول الابتعاد عن كلمة “فلم أو فيلم”، لكن الجمهور اعتاد إطلاق كلمة فلم على كل مادة بصرية يراها مثل الوثائقي، لكني دائما أفضل تعبير “الوثائقيات” لأنها تجمع كل الأنواع السينمائية والتلفزيونية والرقمية، وحتى الإذاعية فهناك وثائقي إذاعي بالصوت فقط.

  1. ما هي مراحل إعداد سيناريو الوثائقي؟

باختصار يمكننا الحديث عن ثلاث مراحل أساسيا: أولا: ما قبل الإنتاج، ثانيا: الإنتاج، وثالثا: ما بعد الإنتاج. ما قبل الإنتاج يبدأ بالفكرة التي تتطور بالبحث الأولي لمعالجة فيها زاوية معينة، ثم مع البحث التفصيلي تتحول المعالجة إلى سيناريو ما قبل التصوير، بما يتضمنه من معلومات وصور يحتاجها العمل، وضيوف (إن كان فيه ضيوف)، ثم توضع الميزانية التفصيلية للإنتاج، لأن التصوير هو الأكثر كلفة مع الأرشيف، خاصة إن تضمن التصوير سفرا لأكثر من مكان، ثم مرحلة الإنتاج التي تتضمن التصوير والمونتاج، وقد يتم بالتوازي أي تصوير ومونتاج ثم مزيد من التصوير والمونتاج، والمونتاج هو تركيب وإعادة بناء، لذا فهو يخضع لعمليات بناء وهدم مستمرة بهدف التجويد ورواية الوثائقي بأفضل طريقة بنائية تجمع بين فهم ما حصل والتشويق لما حصل. لكن في الوثائقي لا تتوقف المرحلة الأولى (ما قبل الإنتاج) أثناء الإنتاج، وهذا هو جوهر الصعوبة فيه، بمعنى أن البحث عن المعلومات والصور والأرشيف يستمر أثناء الإنتاج بالتوازي، وقد تتغير أجزاء من المعالجة مع الميدان، ثم مرحلة ما بعد الإنتاج والتي تبتدأ بكل المؤثرات المضافة للمونتاج وتنتهي بتسويق الوثائقي، فلا فائدة من إنتاج عمل بدون تسويقه، وهنا أيضا صعوبة أخرى لأن مرحلة ما بعد الإنتاج يجب التفكير بها منذ مراحل ما قبل الإنتاج بمعنى أين سيبث هذا الوثائقي وأين سيسوق ومن الجمهور المستهدف منه…الخ. وهذا نادرا ما يتم تدريسه في كليات الإعلام، ولذلك يحتاج المهتمون إلى دورات تدريبية متخصصة في هذا المجال، والحمد لله أنني استطعت إفادة بعض الزملاء في هذا المجال لتطوير مهاراتهم.

  1. ما مدى حاجة المواطن العربي للوثائقيات؟

ما زالت الحاجة موجودة، عربيا وعالميا، وما زال الوثائقي عليه طلب، وتشاهده جماهير مختلفة من العرب، من الخليج إلى المحيط. يقال أحيانا أن الوثائقي نخبوي، مقارنة بالدراما مثلا، وهذا صحيح وغير صحيح، فمقارنة بالدراما طبعا لا يمكن للوثائقي، إلا نادرا، أن ينافس جماهيرية الدراما التي تعتمد التشويق الخيالي غير المتاح للوثائقي الذي ينطلق من الواقع، لكن في نفس الوقت، نرى فئات مختلفة من الشباب في العشرينات والثلاثينات، وكذلك كبار السن، كلا الفئتين يقبلون على الوثائقي، خاصة عند اهتمامهم بالقضية التي يعالجها الوثائقي. وربما “عربيا” هناك حاجة “خاصة” للوثائقيات، مع انحسار القراءة، فيجد الفرد بدلا من أن يقرأ عشرات الكتب، هناك وثائقي في نصف ساعة يعطيك خلاصة عشرات الكتب. وحتى عبر العالم الرقمي، ما زال للوثائقي جمهوره، حتى مع قصر مدة الوثائقي، خاصة أن للوثائقي ميزة مقارنة بالدراما وهو أنه أرخص في التكاليف لأن فريق إنتاجه أقل عددا وعدة.

  1. ماذا تعنين ب “الوثائقي الرقمي”؟

الوثائقي الرقمي هو الوثائقي الذي ينتج خصيصا للعوالم الرقمية (اليوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية وغيرها)، أو الذي يعاد إنتاجه بطريقة تفاعلية جديدة للعالم الرقمي، بعد أن يكون أنتج للسينما أو التلفزيون. وقد قررت التخصص والدراسة والعمل والتدريب في هذا الحقل منذ عام 2013، ولذلك أقدم تدريبا متخصصا في السرد الرقمي، وهو حقل جديد دوليا وعربيا، وبحمد الله مستمتعة فيه، لأنني واثقة أن هناك مستقبلا كبيرا للقصص الرقمية بأشكال متعددة.

  1. هل تبدو علاقة صانع الوثائقيات بمؤسسات الدولة العربية الرسمية صحية أم أن هناك كمًّا من العوائق يعترض سبيله؟

الدول الرسمية العربية تصنع “وثائقيات دعاية” عن مؤسساتها ومشاريعها، لكنها لا تدعم “وثائقيات” نقدية لأجزاء من سياساتها أو ما يحصل في سجونها أو ما شابه، لذا يعتمد الأمر على الوثائقي، إن كان تمجيديا دعائيا، ستدعمه الدولة الرسمية، وإن كان نقديا ستحاربه وتحارب صناعه. هذا هو الواقع.

  1. هل تعتبرين حضور الوثائقيات في المناهج التعليمية كافيا أم هو بحاجة إلى مساحة أكبر، واهتمام أوفر من لدن الأجهزة الوصية؟

سؤال جميل جدا، أعتقد أن الوثائقيات يمكن أن تكون مفيدة جدا في المدارس والجامعات، لأن الطلاب في تلك المرحلة لديهم الوقت للمشاهدة المكثفة، كما لديهم الاهتمام بالصورة البصرية، لذا أعتقد أن التعليم العربي خاصة، والعالمي عامة، يحتاج إلى أن يدخل أكثر بكثير الوثائقيات في مناهجه وفي قاعات التدريس والدراسة، وسيكون لذلك وقع كبير. ولدي تجربتان في هذا المجال، أولا سلسلسة أصحاب البلاد والتي تعرض على مدى سنوات الآن في عدد من المدارس في الداخل الفلسطيني، وفي كل عام تثير اهتمام الطلاب وتغير من رؤيتهم لتاريخهم وواقعهم وتثير نقاشا بينهم وبين مدرسيهم وعائلاتهم. وثانيا موقع ريمكس فلسطين والذي اعتمده عدد من الأساتذة في جامعات الولايات المتحدة وأوروبا والعالم العربي للتدريس في مرحلتي البكالوريوس والماجستير لطلاب العلوم السياسية والشؤون الدولية والمهتمين بدراسة الشرق الأوسط والصراع العربي الصهيوني…الخ. وكان لذلك وقع كبير لدى الطلاب بشهادة مدرسيهم، ويصلني دائما كيف أن فلم “النكبة” المتاح بعشر لغات حاليا ساعد الأستاذ كثيرا في إيصال المعلومة لطلابه الذين يفضلون دراسة وثائقي عن قراءة فصل في كتاب.

  1. النكبة، أصحاب البلاد، ثمن أوسلو، والسلام المر، كان من الملاحظ أنك حققت فيها الجمع ما بين الإعداد والإخراج؛ لماذا؟

رؤيتي لأي صانع وثائقي يريد أن يخلص في عمله أنه يجب أن يجمع بين الإعداد والإخراج. صحيح أن هناك صناع وثائقي عرب وأجانب متخصصون في الإعداد فقط، ويستعينون بمخرج ذا رؤية بصرية، أو العكس صناع وثائقي يهتمون بالصورة، لكن ليسوا الباحثين الرئيسين في عملهم، وأعمالهم ناجحة ومفيدة، وأنا معجبة بعدد منها، لكن أحس دائما أن هناك شخصين وراء العمل، شخصين لكل منهما رؤية وبصمة، لكن عندما أشاهد وثائقيا متماسكا بين المضمون والشكل بشكل عضوي مفيد وممتع أعرف أن صانع الوثائقي واحد هو الجامع بين البحث والإعداد، وكذلك الإخراج والشكل. لذا في وثائقياتي حاولت أن أتبع خيط العمل من الفكرة إلى المونتاج، وكثير منها قمت بمونتاجه الأولي بنفسي، وفي وثائقي الأول قمت بتصويره بنفسي. لا أقول أن كل صانع وثائقي يجب أن يكون دائما الجامع بين الإعداد والإخراج، لكن من المهم جدا أن يكون متقنا لكل المهارات، حتى التصوير والمونتاج، حتى لو استعان بغيره، فريقا صغيرا أو كبيرا.

  1. هل تستطيع المرأة العربية في ميادين الإعلام تغيير الصورة النمطية المرسومة حولها؟ كيف؟

أعتقد أن المرأة هي المسؤولة أساسا عن “الصورة النمطية” حولها، وصحيح أن المرأة العربية استطاعت كسب مساحات في العمل العام، والعمل الحر، والإعلام جزء منه، لكن لم تكسر تماما الصورة النمطية حولها، فما زالت أعداد النساء المخرجات في الدراما والوثائقي أقل بكثير من الرجال، وما زال ينظر لعمل المرأة الإعلامية في الإعلام على أنه الاستثناء لا القاعدة. أتمنى أن يتغير هذا الواقع، وأن لا توصف المرأة الفاعلة أنها “بمئة رجل”، بل أن يتعامل معها هي وزميلها الشاب، أن كليهما قادران على الإنجاز ميدانيا بنفس القدر والمستوى.

  1. عالم العمل الحر هو بمثابة طوق نجاة للفتيات العربيات لأن يعملن ويبدعن من داخل بيوتهن، بماذا تنصحيهن؟

تستطيع المرأة العمل من داخل بيتها، سواء كموظفة أو جزء من فريق، أو في العمل الحر، خاصة مع تقنيات اليوم التي لم تكن متاحة قبل ١٠ أو ١٥ عاما مضت. وتستطيع المرأة أن تبدع في كل المجالات، فقط إذا صممت على التعلم المستمر والعمل الفاعل. العمل ليس أمرا سهلا، والإبداع ليس موهبة أو فرصة، إنما هو تتويج للعمل الجاد الطويل، لذا نصيحتي لكل امرأة أن تختار شيئا تحبه وأن تجتهد فيه وبالتأكيد إن استمرت فيه بالعمل الجاد والتعلم المستمر ستبدع وتضيف شيئا لنفسها ومجتمعها.

  1. ما هو رأيك بمنصة استكتب، وماهي نصائحك للارتقاء بمجال صناعة المحتوى؟

أثمن عاليا تجربتكم في “استكتب”، وأشكركم مجددا على المبادرة في التواصل، فقد أعجبتني فكرة تقديم خدمات كتابية مقابل مبالغ مالية بسيطة، خاصة أنها تثري المحتوى العربي، في ظل تراجع في مهارات الكتابة باللغة العربية مفردات ونحوا وإملاء، كما تقدم وسيطا بين من يستطيعون التعبير عن أفكارهم كتابة، وبين من يريدون التعبير لكن لا يملكون المهارات، وأتمنى لكم كل التوفيق.