لقاء في استكتب مع الكاتب  عارف حجاوي

قامة من قامات الإعلام العربي، وأديب مدقق، ولد في نابلس سنة 1956 وحصل على بكالوريوس اللغة العربية من جامعة بيرزيت، عمل في الترجمة والتحرير والإذاعة والتدريب، فكانت لعطائه بصمات واضحة ومتفردة.

بدأ حياته المهنية بمزاولة مهنة الخط في دائرة التجنيد بوزارة الدفاع الكويتية، ثم مترجما ومحررا ومذيعا، فمديرا للبرامج في هيئة الإذاعة البريطانية بلندن BBC. تقلد منصب كبير مدربي الإنتاج الإذاعي في هيئة الإذاعة البريطانية “العالمية” (وورلد سيرفس) بلندن، وعمل مراسلا لهيئة الإذاعة البريطانية باللغة العربية في فلسطين ثم مشرفا على التدريب الإذاعي بمعهد الإعلام بجامعة بيرزيت، ثم مدير المعهد، ومحاضراً بدائرة الإعلام بالجامعة.

اختارته قناة الجزيرة مديراً للبرامج لمدة ست سنوات، ومن ثم مدير المعايير التحريرية في قطاع ضبط الجودة بشبكة الجزيرة بدءاً من يناير 2014 حتى تقاعده في أواسط هذا العام 2018.

له من العديد من المؤلفات أبرزها: قواعد اللغة العربية والكتابة للراديو وموجز النحو وشاعر الألف سنة: أحمد شوقي وعصارة المتنبي، واللغة العالية، العربية الصحيحة للمذيع والمراسل والصحفي، وسلسلة “الزبدة”، أنطولوجيا الشعر العربي في خمسة أجزاء وآخرها مجموعة قصص قصيرة تحت عنوان “الرخيصة والرخيص”.

بالإضافة لمجموعة لا يستهان بها من البرامج الإذاعية مثل أوزان القصيد وبيت من الشعر وغلط غلط، وسهل صعب مستحيل وغيرها الكثير..

ولأن من الصعب حصر جهوده في بضعة أسطر، كان من السهل علينا الوصول إلى الأستاذ عارف حجاوي الإعلامي الأديب والمدرّب، ليكون ضيفنا في برنامجنا الحواري “لقاء في استكتب” لنتعرّف إليه أكثر، فأهلا ومرحبا بك.

  • سؤالنا الاعتيادي الذي نضعه في كل مرة وهو كيف كانت بدايات الأستاذ عارف حجاوي، كيف اكتشف موهبة الأدب، ومتى علمت أن هذا الطريق هو الأنسبُ لك؟

بداياتي أنني حققت أكبر نجاح في عمري وهو أن القدر اختارني من بين نحو 25 مليون خلية من خلايا أبي لأكون ابناً لأمي. عرفت فن الهجاء طفلاً، فعندما وعيت على الحرف العربي في الصف الثالث الابتدائي (وكنت في الصف الأول والثاني أمياً تماماً، وكنت الأخير في الصف أو ربما الولد قبل الأخير) بدأت أصوغ في عقلي كلمات بالفصحى في هجاء الناس الذين لا يعجبني سلوكهم. اكتسبت الفصحى فجأة. في نحو شهرين من الزمان عن طريق قراءة كل قصة وكل قصاصة، وساعدني أن بيتنا كانت فيه أكوام من المجلات، فمن حسن طالعي أن أبي وأعمامي كانوا يضنون بالمجلات لا يرمونها بعد قراءتها. لم تعلمني المدرسة القراءة، فالقراءة هي التي علمتني القراءة. وبدأت أكتب قصصاً وخواطر، وبالكتابة تعلمت الكتابة. وكانت الصحف في زمني تنشر القصائد والمقالات الأدبية فوقع في خاطري أن الأدب شيء مهم. هذا من سوء طالعي. لم أعرف قط التخطيط لمسيرتي في الحياة، يكفي لبيان ذلك أنني درست الهندسة الميكانيكية بضعة أشهر ثم عفتها. وللآن وقد تجاوزت الستين لست متأكداً ماذا سأصنع فيما بقي من العمر. وضعت نفسي على كف القدر، وأنا راض بهذا.

  • مارست مهنة الخط في بداياتك، ثم انصرفت عنها باعتبار أنها مهنة ذبلت وماتت. اليوم يجري حديث عن جعل مهنة الكتابة مهنة روبوتات آلية، فما رأيك حيال هذا الأمر، وهل يمكن أن نرى يوماً قصيدة شعرية أو خاطرة نثرية من تأليف روبوت آلي؟

أدركت أن مهنة الخطاط إلى زوال حتى قبل أن أزاولها. وقد حل حرف الحاسوب محل ريشة الخطاط سريعاً. واليوم نجد عناوين كتب بخط الثلث في غاية الإتقان.. وهي من قلب الحاسوب. لقد جربوا تأليف سيمفونية عن طريق الكمبيوتر، ونالت الإعجاب. كل شيء ممكن. أتذكر في نحو عام 1990 عرضاً قدمه مندوب شركة حاسوبية لبرنامج ترجمة حاسوبي. حضرت العرض، وكان في مكاتب القسم العربي من البي بي سي، وكان تعليقنا أن هذا لا يصلح ألبتة. والآن تطور برامج الترجمة بشكل كبير، ولا سيما فيما بين اللغات المتقاربة.

  • ما هي التجربة التي أنضجت قلم عارف حجاوي وكانت نقطة تحول في حياته؟

لم ينضج قلمي بعد. أكره ما كتبت، وأشعر كلما اضطررت لقراءة فقرة كنت كتبتها بأن هذا شيء فظيع. غير أنني لم أقلد أحداً.. عجزاً وكبرياء. ولا أخاف أن يسرق أحد فقرة مني وينسبها لنفسه، لأنني أكتب نفسي، ونفس كل منا بصمته.

  • ما هي مقومات الكتابة الإخبارية؟

هي كتابة الحدث معجوناً بالتحليل. لا خبر إلا وله توجُّه. وهنا أقتبس عبارة تعدد قائلوها: “الخبر هو معلومة يريد بعضهم إخفاءها، وكل ما سوى ذلك علاقات عامة”. الشرح: إذا استقبل الحاكم حاكماً آخر واستعرضا حرس الشرف وتحادثا، وتوادعا، وأصدرا بياناً ينص على تطابق المواقف. فهذا علاقات عامة. وهكذا فكثير مما يسمى “أخباراً” في جرائد ومواقع العالم العربي ليس أخباراً. الخبر يحتاج إلى أن يضع المراسل والمحرر في جوفه الغرض الخفي من الزيارة، وتحليل للعلاقة بين البلدين وما بينهما من مشكلات، وما يحيكانه من صفقات أو مؤامرات. ولطالب الإعلام أقول: ستسمع أستاذك يقول لك: إياك والخلط بين الخبر والتحليل! يا أخي الطالب إما أن تختار طريقته السهلة لكي تشتغل في جريدة نفطية وإما أن تقتنع بطريقتي.

  • قلت في أحد لقاءاتك أن النحو والصرف كذبة كبيرة، لماذا؟

لأن شعوب العالم تتعلم لغاتها بدون نحو وبدون صرف. بالقراءة والحديث نتعلم اللغة. ها أنذا أتكلم ولا أفكر في فاعل ولا في مفعول. مع ذلك فإننا مضطرون إلى بعض القواعد لأننا نستعمل لغة لم نقرأ بها ولم نتحدث بها. وعلى الفصحى أن تجاري العصر. المدارس تعلم من النحو والصرف الكثير، سدى. لأنها تعلم النحو والصرف اللذين عبث بهما القدماء كثيراً على سبيل التسلية.

  • لماذا يتهم الآخرون اللغة العربية بأنها لغة لا تُناسب العلوم والتقنية، ويعزون سبب قلة المحتوى العلمي للغة العربية في كل مرة؟ كيف نثبت بالدليل أنها الأنسب والأقدر؟

الدليل: المعاجم الطبية الإنجليزية-العربية كثيرة، وهي تثبت أن كل شيء موجود بالعربية أو باللاتينية. اللاتينية هي اللغة العلمية لاشتقاق أسماء الأدوية والأدواء ويستعملها الإنجليز والألمان والفرنسيون وكل الناس بنفس المقدار.. ونحن نستعملها. وكل ما هو بغير اللاتينية فله مقابل عربي. قبل نشوء الكيان الصهيوني بـ 24 سنة فتح اليهود في حيفا جامعة تكنولوجية، وسموها “التخنيون”. ومنذ يومها الأول قررت أن التدريس سيكون بالعبرية، هذا رغم أن اللغة العبرية كانت خديجة يحاولون نفخ الروح فيها. ولليوم يدرسون كل شيء بالعبرية. الذين يتهمون العربية بالقصور العلمي عندهم مشكلة استلاب.

  • لدينا مشكلة حقيقية في جيل هذا اليوم وعلاقته باللغة العربية، هل المناهج التعليمية هي السبب الرئيسي؟

مشكلتنا أننا لا نعترف بأن عربية اليوم مختلفة كثيراً عن عربية الأمس. مناهجنا تصر على تدريس القديم، ونحن لا نقرأ. وعندنا حالة انبهار قريبة من الهبل بالغرب. وعندنا نقص حاد في الثقافة. وعندنا حالة انهيار طابعها الرئيسي أن الرعاع يتولون المناصب الكبار. هذا عَرَض معروف في الدول الموشكة على الزوال.

  • يرى عارف حجاوي أن كل ما يتعلق باللغة العربية تقليدي، ولا يلمس فيه شيئا من الإبداع والخروج عن النمط العادي، لماذا هذه النظرة، وما هو تصورك للعربية الذي تتمنى لها بلوغه؟

هذا تلخيص مجحف لشيء ربما كنت قلته. اللغة العربية عظيمة، ودقيقة، وثرية.. ولا ذنب لها في ثرثرة الثرثارين، وفي جمود الجامدين. الناطقون بالعربية اليوم قليلو الثقافة، قليلو الثقة بالنفس. مشكلتي الحقيقية التي أعبر عنها بهجاء مقذع للناس والأشياء – وأخص بالهجاء الأكاديميين – هي مع العرب لا مع العربية. عندما تتفاخر الأم بأن ابنها ضعيف بالعربية وممتاز بالفرنسية فالذنب ذنبها لا ذنب اللغة العربية الشامخة.

  • في ماذا تختلف الكتابة الإذاعية عن الكتابة التلفزيونية؟

في الإذاعة يضطر المرء إلى أن يصف الأشياء، وفي التلفزيون يضطر المصور إلى التقاط هذه الأشياء، فلا يبقى للمراسل التلفزي إلا أن يحفر عميقاً في ثقافته ليضيف معلومات لا توردها الصورة. لا أريد تحويل هذا اللقاء إلى محاضرة، لكنني أتهم التلفزي العربي بتهمتين: الأولى أنه يعيش في ماضي الجرائد والإذاعة ولا يكتب للصورة باحترافية. الصورة نفسها لغة، فلو شاهد الشاب العربي فلماً من الخمسينات فسوف يدرك فوراً أن التعامل مع الصورة قد اختلف كثيراً، من زوايا التصوير إلى تعاقب اللقطات إلى كيفية حكاية الصورة للقصة. الشاب العربي اليوم متعود على الأفلام الحديثة، ويستطيع بمهارة انتقاد الأفلام القديمة إخراجياً. وبالمثل فإن نص تقرير تلفزي في الخمسينات يختلف كثيراً عن نص تقرير تلفزي حديث. هذه صنعة، والتلفزي العربي يدرسها في معهده نظرياً، ثم في التطبيق يعود إلى اللغة المزركشة وإلى الثرثرة وإلى الوصف الجرائدي. كل هذا عن التهمة الأولى. وها هي التهمة الثانية: الإعلامي العربي قليل الثقافة، قليل البحث، كثير الكسل.

  • في ظل ظهور آلاف المدربين اليوم في عالمنا العربي، هل ترى فيهم جميعا نجاحا للعملية التدريبية، ولو كان هنالك نجاح، لماذا لا نرى تغييرا حقيقاً على أرض الواقع على مستوى الكفاءات؟

في الغرب يتولى التدريب ناس عركتهم التجربة، وقد يكون بين المتدربين شباب لامعون يثرون الورشة من خلال النقاش مع المدرب. عندنا يكون الانتساب للدورات مسألة رسمية يسعى المدير إلى التخلص منها بأي شكل فيرسل الموظفين للدورة لكي يتخلص من هذه المهمة. وربما انتسب بعضهم إلى الدورة لمجرد الحصول على شهادتها. ولأننا لا نحترم التدريب لا نأبه بمن يقدمه. رغم ممارستي للتدريب كثيراً فلست أراه ناجحاً. كلما ابتعد التدريب عن التدريس كان أفضل.

  • ما هي مقومات التدريب الإذاعي؟

الإنتاج البرامجي والإخباري. المرء يتعلم بيديه لا بعقله، يجب أن يكون هناك استديو  وتسجيلات، أو بث حي حقيقي

  • ما هو الإنجاز الذي تعتز به؟

رواية لي باسم (إعصار في الهلال الخصيب) وهي قيد الطبع.

  • العمل الحر من المجالات القديمة الحديثة، فما نصيحتك للشباب العربي حوله؟

للأسف لم أمتلك الجرأة ولا الاستقرار النفسي ولا رأس المال كي أمارس العمل الحر.

  • أصبح كل حامل لهاتف نقال من النوع الجيد باحثا عن صنع الخبر، من خلال صور أو مقطع فيديو. وشرعت العديد من الفضائيات في تخصيص حيز من برامجها لهذا النمط من الإعلام هل من ملاحظات على هذا التوجه، وكيف يمكن مأسسته وتقنينه؟

عندما يعيش المرء في بلاد إعلامها كذاب فهو يرحب بأي شيء، أرحب بالشائعات وبالتشنيعات وبالشتائم وبالتشرذم وبالشباب، وبكل ما فيه حرف الشين. بلاد يضع إعلامها الحاكم في مقام النبي لا بد أن ترحب بأي نمط إعلامي مختلف. وها هي بلاد العرب تحاول مأسسة الإعلام الاجتماعي، وكيف.. عن طريق الذباب الإلكتروني.. تعجز جيوشها المسلحة عن تحقيق أي نصر، فترسل جيوشها الإلكترونية لكي تمأسس الإعلام الإلكتروني. كنت كتبت قبل 25 سنة: “إذا لم تعطونا الخبر الصادق فسوف نطلق الشائعات، وسوف نصدقها”.

  • في قناتك على اليوتيوب مقاطع شعرية لشعراء قدامى وآخرين جدد، هل تنوي أن تجعل من قناتك ديوانا يوتيوبياً؟

أنا مستطيع بغيري، تسنى لي قبل نحو سنة صديق أعانني في رفع بعض المقاطع، ثم انشغل عني. ولست في مزاج صالح لتعلم تقنيات جديدة على الحاسوب.. ولو حصلت على مال كاف فإنني سأوظف من يقوم بمهمة كهذه.

  • استكتب هي منصة عمل حر لصناعة المحتوى النصي في العالم العربي، ما رأيك بها وما نصائحك لسداد خطاها؟

أولاً أشكر لكم استضافتي.. هذا شكر جاء متأخراً في آخر اللقاء. وقد شاهدت عملكم، وما تعرضونه، وأنصح لكم أن تركزوا على مساعدة من يملكون المادة في كتابتها، وألا تنوبوا عن أحد في كتابة كلام لا يملك مادته.