لقاء في استكتب مع الكاتب عز الدين جلاوجي

 

ضيفنا اليوم في برنامجنا الحواري ” لقاء في استكتب ” عز الدين جلاوجي ، كاتب كبير وأستاذ محاضر جزائري، غزير التأليف واسمه مرتبط بالأدب والنقد والمسرح في الجزائر.

  1. بداية، عرفنا أكثر عن عز الدين جلاوجي، عن نشأته ودراسته واهتمامه بالأدب ومحيطه العائلي.

نشأت في أسرة متوسطة الحال، متجذرة في الانتماء للوطن في بعده الحضاري العربي الإسلامي، أخذت من والدي رحمه الله حب العربية، وعلى يديه درست مبادئها الأولى نحوا وصرفا وبلاغة كما حفظت على يده شطرا من القرآن الكريم، وقرأت على يديه عشرات الكتب في الأدب واللغة والدين، ومنه ومن كل العائلة أخوالا وأعماما رضعت حب الوطن وحب الانتماء إليه، وهم الذين قدموا العشرات من الشهداء والمجاهدين، ثم فتحت عيني على عيون الأدب العربي فالعالمي شعرا ونثر، مذ بداياتي الأولى إلى دراستي الجامعية إلى يوم الناس هذا.

  1. كيف بدأت مشوارك الثري في التأليف؟ هل عانيت من عراقيل في مشوراك؟ احك لنا عن أول تجربتك مع القلم.

راودني الاهتمام بالكتابة صغيرا، حين كنت تلميذا في مقاعد التعليم المتوسط ثم الثانوي، بل ومارست في تلك المرحلة كثيرا من الفنون، المسرح، الموسيقى، الرسم، النحب، إضافة إلى الكتابة الأدبية، كأنما كنت أبحث عن ذاتي، وكان حوش بيتنا كثيرا ما يتحول إلى ورشة كبيرة لممارسة تلك الميول، غير أن الكتابة كانت الأقدر على امتلاكي، كتبت الشعر أول الأمر خاصة في سنوات دراستي الثانوية، وفي آخرها ملت إلى القصة، بداية العشرينيات من عمري نشرت أول قصة لي في جريدة المساء وكانت بعنوان “الحزن يقتل أيضا”، وقد عبرت عن نفس مضطربة غير راضية عن الوضع التي كنت أتحرك في محيطه وطنيا وعربيا، نفس تنشد الأرقى والأجمل والأفضل، مقارنة مع حققه سلافنا، وما حققه الغرب، كنت حينها أقرب لعالم المثل وأنا أستحضر نماذجه في الحضارات الإنسانية والعربية أساسا، بعد القصة كتبت المسرح والرواية والنقد وأدب الأطفال.

رغم أن هذه التجربة قد حوصرت في المهد بصقيع الفقر أولا، ومرض الوالد رحمه الله وقد ابتلي بمرض الباركينسون الخطير وأنا في السنة الثانية الثانوية، وقد لازمه ذلك طويلا مما جعلني مسؤولا عن عائلة كبيرة وأنا فتى، بل ومما حتم علي أن أختار العمل بعد نيلي شهادة الباكالوريا ولا أكمل دراستي الجامعية إلا في وقت متأخر، إضافة إلى الوضع العام مجتمعا وسلطة حيث كانت الثقافة أخر الأولويات، رغم ذلك كانت إرادتي أشد وموهبتي أكبر، ومن بين صخور المعاناة أينعت تجربتي التي تفتقت عما قدمت من ثمار للساحة الإبداعية العربية

  1. عز الدين جلاوجي، هذا الاسم مرتبط بغزارة الإنتاج والتأليف حيث يملك ما يزيد عن 35 كتاب في مختلف المجالات، ما رؤيتك نحو الكتابة والتدوين؟ ولماذا تنتهج أسلوب الغزارة في الكتابة؟

الكتابة فعل شاق، ومغامرة غير محمودة العواقب تماما، صدرت لي أول مجموعة قصصية سنة 1994 ضمت مختارات مما نشرته في الصحف، ثم نشرت مجموعة أخرى “صهيل الحيرة” تحمل تجربة مختلفة أطلقت عليها القصة المشطورة، ثم مجموعة ثالثة، تحولت بعدها إلى كتابة المسرحية فالرواية، فالنقد، لي في رصيدي الآن ثماني روايات، وأحدى عشرة مسرحية، وأربع مجموعات قصصية، وتسعة كتب نقدية، وست قصص للأطفال، وأربعون مسرحية للأطفال أيضا، كما كتبت في السيناريو، بعض هذه الأعمال حظي بطبعات عدة، كما حظيت أعمالي بمئات الدراسات في شكل مقالات أو رسائل في جامعات مختلفة داخل الوطن وخارجه.

ولست مكثرا إذا ما قارنت نفسي بما أنتجه الكبار، فبلزاك الفرنسي تجاوزت رواياته الثمانين، وإبراهيم الكوني قدم أكثر من أربعين ورواية، وكتب توفيق الحكيم عشرات المسرحيات والكتب المختلفة قاربت المئة، ونوع بعض هؤلاء الكبار فكتبوا في فنون مختلفة، ولا يمكن أن نعزو الأمر إلا لقدرات يمتلكها الإنسان، وإلى موهبته التي يفتقدها غيره، ولو كانت ظروفي أفضل، ولو كنت في محيط يقدر الإبداع لقدمت أضعاف ذلك،  وفي كل الأجناس، فالعمل من أجل توفير حياة كريمة يأخذ مني نصف الوقت، وما تبقى أقسمه بين الإبداع وشؤون البيت، إضافة إلى الكفاح الكبير الذي أخوضه بعد الكتابة، من إعداد ونشر وتوزيع و مما يجب أن تقوم به مؤسسة كاملة.

  1. هناك تركيز على جانب التجريب في رواياتك فقد نوقشت دكتوراه مؤخرا حول هذا التركيز، عرفنا أكثر على التجريب؟ وما السر وراء اهتمامك به؟

فعلا وهو ما لفت انتباه النقاد وهم يتابعون تجربتي الإبداعية، أحمل دوما هاجس خرق المألوف بحثا عن عوالم أرحب، أسعى دوما إلى تجاوز المتداول، لإيماني العميق أن التجريب هو روح الإبداع، وأن ليس من قاتل له كالاجترار، وقد تجلى ذلك في نصوصي القصصية والمسرحية والروائية، أسعى دوما أن أتجاوز السائد وأتجاوز نفسي أيضا، أزور من تكرارها واجترارها، لا أحب أن يغرف قرائي من ماء آسن، ولا شك أن عوالم الإبداع أرحب من أن تضيق علينا فنلجأ للاجترار.

بل وذهبت إلى أبعد من ذلك وأنا أنادي بثورة في كتابة القصة مثلا “القصة المشطورة، القصة المتشظية، …. ” وفي كتابة المسرحية، حيث قدمت شكلا جديدا أسميته المسردية “مسرح+سرد” وتجلى ذلك في أعمالي كلها مثل “أحلام الغول الكبير، الأقنعة المثقوبة، غنائية الحب والدم، البحث عن الشمس،…، ثم المسردية القصيرة جدا “المسردية الومضة” وتجلى ذلك في مجموعتي “مسرح اللحظة”، وقد صار المصطلح متداولا نقديا، وبدأ الاشتغال على الأعمال إبداعا ونقدا وتنظيرا.

  1. ما رأيك في مسألة الشهرة ككاتب؟ هل ترى فيها خللا ما عربيا؟ وهل تمتلك الشهرة أهمية لديك؟

لا شك في ذلك، يظل المبدع دوما حامل رسالة فنية جمالية وحامل إيديولوجيا أيضا، كل الأنظمة الحية اليوم وفي الماضي والمستقبل، تقف وراء مبدعيها، تصنع منهم نجوما متألقة لتصدر من خلالهم ما أرادت من قيم ومثل حضارية تمثلها، والناظر لكل الأسماء التي حظيت بالشهرة عربيا وعالميا يلتمس هذه الحقيقة، دون أن أذكر لأسماء طبعا، قد تفعل الرواية والقصيدة والأغنية والمسرحية في ملايين المتلقين ما لا يفعله غيرها من وسائل التأثير، وعلينا أن ننتبه لذلك، يجب أن تكون لنا رموزنا، ومؤسساتنا الإبداعية للوقوف وراء هؤلاء المبدعين نشرا وتوزيعا وإشهارا.

  1. ما هي طقوسك المعتادة عند ممارستك للكتابة؟ كيف تصف الكتابة في حياتك؟

الكتابة هي هوائي الذي أتنشقه، ولا يمكن مطلقا أن أعيش دونها، قدمت من أجل انتصارها الكثير، وضحيت من أجلها بكثير من المصالح ومتع الحياة،  أخلصت لها فأخلصت لي، وأحببتها فأحبتني، سعيد بما حققته مع قرائي ودارسي أدبي الذين صاروا يمتدون على طول الوطن العربي الكبير، بل وخارجه أيضا، مازلت أحمل الكثير من المخزون الإبداعي، وأنا عاكف هذه الأيام على كتابة الجديد، رواية ومسردية، وهما الجنسان الأقرب إلي، أرجو أن أتمكن من تقديم الجديد المختلف دوما.

تأتي الكتابة عادة كالوحي، تراودك، تتملكك فإذا أنت واقع تحت سحرها، تعيش داخل عالمها الموازي الذي هو أكبر من عالمك الحقيقي، حتى إذا استوت وأرسلتك كنت خلقا آخر، أحوج ما تكون للراحة التامة، فكأنما قمت بعملية ولادة مرهقة، ولكنها مفرحة لأنك أطلقت في الكون كوكبا دريا ستفني ويبقى هو مشعا على البشرية، حاملا لقيمها الإنسانية التي لا تفنى.

  1. هل ترجمت مؤلفاتك للغات أخرى؟ ما هي؟ وفي حال لم تترجم، فما هي اللغات التي ترجو أن تر مؤلفاتك ناطقة بها؟

ترجمت لي رواية الفراشات والغيلان إلى الإسبانية، وهي تترجم الآن للتركية، وحتما الترجمة للإنجليزية أهم نظرا لكثرة الناطقين بها، ويسعدني أن تترجم كل أعمالي الإبداعية، رغم أني لا أراهن كثيرا على ذلك، ليقيني أن المبدع الحق هو من يتوّجه قومه، حين يحملونه في قلوبهم وعلى ألسنتهم، كونه يعبر عنهم، عن أعماقهم وموروثهم وآمالهم وآلامهم، وبالنظر للمشهد الإبداعي العالمي، يتجلى لنا أن الكاتب إنما يشتهر انطلاقا من محليته، نحن مثلا لم نعرف صفوكل وبريخت وشكسبير واليوت وغوركي  وهيمنغواي حتى اشتهروا في قومهم وتبنتهم شعوبهم، ولا يختلف الأمر مع المتنبي والجاحظ وابن المقفع وابن طفيل وابن رشد وغيرهم، والشاذ يعدّ ولا يقاس عليه على رأي النحويين.

  1. من هم قدوتك في الحياة؟ ومن تصنفهم كأفضل الكتاب عندك والذين ساهموا في بناء عز الدين جلاوجي؟

أنا نتاج نصوص لغوية عربية منذ الشنفرى وامرئ القيس وغربية منذ يوربيدس وأسخيلوس، كما أنني نتاج نصوص غير لغوية كثيرة ومتشعبة، ولا أذكر أني نتاج نص معين، أو نتاج مبدع بذاته، متمرد أنا مزور، أمقت أن أكون ظلا لأحد مهما كان، أو رجع صدى لصوت مهما علا، أنا الصوت والرجع، وأنا القامة والظل، ولأني لست إلا بشرا يندفع كقطرة ماء في نهر عملاق فأنا أيضا جزء من هذا النهر بصفائه وإشراقه، وبطميه وغثائه

  1. وصفك وزير الثقافة الجزائري الأديب عزالدين ميهوبي بقوله: “يخطئ من يقول إن عزالدين جلاوجي كاتب قصة أو رواية أو مسرح أو نقد أو أنه يكتب للأطفال فقط فهو واحد متعدد يصعب اختزال تجربته في كلمات معدودات “، فما السرّ في ذلك؟

تلك جزء من كلمة دبجها السيد الوزير على غلاف روايتي “راس المحنة 1+1=0” حين صدرت في طبعتها الأولى عن اتحاد الكتاب الجزائريين سنة 2003، وهي شهادة أعتز بها من مبدع كبير متعدد، تذكرني بكلمة الدكتور عبد الله ركيبي رحمه الله التي دبجها في تقديم مجموعتي القصصية الأولى “لمن تهتف الحناجر؟” سنة 1994، وكان آنذاك سفير الجزائر بسوريا، لقد مرت على الكلمة الثانية خمس وعشرون سنة، ومرت على الكلمة الأولى خمس عشرة سنة،  تضاعفت فيها أعمالي وتنوعت، وحظيت باهتمام نقدي واسع، في انتظار أن تحقق ذلك الانتشار عربيا وعالميا حيت تجد من يؤمن بها ويتبناها

  1. هل تعتبر القراءة الدائمة هي أساس بناء الكاتب؟ أو تعتقد أن هناك أسس أخرى يجب أن تتوفر؟ ما رؤيتك نحو بناء شخص وفكر الكاتب؟

نعم إذا اعتبرنا أن القراءة ليست هي فك طلاسم حروف الهجاء التي ابتكرها الإنسان في كل لغات العالم، وإنما هي أوسع من ذلك بكثير، إنها قراءة الحياة والكون والإنسان وما خطت يداه، التأمل قراءة، والطبيعة والرقص والرسم هي كتب، نعم يجب على المبدع أن يقرأ ويقرأ كثيرا، كل فنون القول، وكل فنون الإبداع، وكل فنون الحياة، يحتاج أن يسافر، ويناقش ويستمع وينصت، يحتاج أن يحس ويشعر ويتألم ويعيش ويتأمل ليكتب بشكل أعمق، يحتاج أن يقرأ له ولغيره، أعود كل عام دراسي من عطلة الصيفية وقد قرأت لي ولطلبتي الكثير من الكتب في النقد والإبداع، أحرص دوما أن تكون هذه الكتب حديثة الصدور لأسماء لها وزنها وإضافتها لتكون فائدتها لي ولهم أكبر.

  1. استكتب منصة عربية متخصصة في صناعة المحتوى النصي، وتكرسا المنصة مبدأ العمل الحر عبر الانترنت، ما رأيك في استكتب؟ وما رؤيتك نحو العمل عبر الانترنت؟

كل منبر يفتح بيننا إنما يفتح لنا كوة للنور، تعرفت أول الأمر على “استكتب” من خلال مقال نشر فيه عن روايتي “حائط المبكى” فكان ذلك الخطوة الأولى لولوج الموقع واكتشاف أنه نافذة مشرقة تضيء على المتلقي العربي وله، ويقينا سيكون له حضوره المتميز مستقبلا وأسماءه الكبيرة التي راهن عليها في صناعة مشهد ثقافي متميز

  1. كمسك ختام، ما هي نصيحتك لأي شخص يطمح للتأليف والكتابة، في ظل تكاثر الكتب الشبابية رديئة الجودة؟

أتصور أن هناك حملة لا أراها بريئة وإن خاض فيها كثيرون ببراءة هدفها تمييع كل شيء، وتحطيم الرمز في كل شيء، وصرنا نعيش عصر الفوضى بامتياز، الكل سياسيون والكل فنانون والكل مبدعون، وغزت الأسواق الآلاف من النصوص الرديئة التي شوشت فعلا على أصحاب المشاريع الكبرى، وعلى المؤسسات العربية الكبرى التي تتطلع لمستقبل الإنسان العربي، أن تنتبه لذلك وتراهن على ما يمثل تطلعاتها وحلمها بغد أجمل غد يحمل روح العصر ويرتبط بجذوره وموروثه

اترك تعليقاً

  1. نجاة مزهود 11 يناير، 2019 at 8:21 م - Reply

    حوار قيم مع أديب كبير ومتميز الدكتور الأديب عزالدين جلاوجي الذي شمل الساحة الأدبية بغزير إنتاجه وروعة أسلوبه وحسن لغته التي أضفت على نصوصه جاذبية خاصة، حيث فرض أسلوبه الأدبي علي الجميع متميزا عن الآخرين بما تناوله من موضوعات إنسانية وإجتماعية بأسلوب أدبي ساحر.
    نجاة مزهود
    نجا

  2. حسين 20 يناير، 2019 at 1:00 ص - Reply

    حوار شيق مع هامة من هامات الجزائر نتمنى له من الله كل التوفيق والنجاح دوما

مقالات مشابهة