فكرة العلم الزائف لمؤلفه بِن غولديكر

نحن مهووسون بالصحة، يقول مؤلف كتاب “العلم الزائف”، إذ يحتل الخبر الطبي نصف مساحة الحيز المخصص للأخبار العلمية في وسائل الإعلام.

إلا أننا نتلقى اليوم وابلا من الادعاءات والقصص التي تبدو علمية في ظاهرها، نحصل عليها من أشخاص أثبتوا غير ما مرة عدم قدرتهم على أو تفسير أو تقديم دليل علمي موثوق.

على امتداد ستة عشر فصلا يدعوك الكاتب و الطبيب البريطاني بِن غولديكر إلى اكتشاف بعض أوجه الاستخدام المسيء للعلم، وأنماط الدجل التي تُسوقها شركات الأدوية ومختصو التغذية والعلاج الطبيعي.

ثم تتولى الصحافة المخدوعة مهمة الترويج لها تحت يافطة “أظهرت البحوث”! ويقترح كخطوة أولى لتقويض الادعاءات الزائفة أن يختبر المرء الأفكار البسيطة التي تكشف غياب المعرفة العلمية لدى مبتدعي ومسوقي الإعجاز الكاذب.

فاللاصقات التي يجري وضعها أسفل القدم لتمتص السموم من الجسد، يكفي وضعها تحت كأس شاي دافئ لتعطي نفس النتيجة، رغم أنه لا توجد مواد سامة في البورسلين! لكن ما يصد الناس عن القيام بتجربة، أو ما يسميه غولديكر ” عائق ضد المساءلة”، هو مظهر العلمية الذي توحي به الوثائق المرفقة بالمنتج، من رسوم بيانية ومخططات، وحديث عن “تجارب” ناجحة لإبعاد الفضوليين !

في الفصل الثاني يستعرض المؤلف نموذجا للهراء الذي يمكن أن يصدقه الناس إذا اقترن ببعض الكلمات المستمدة من علم الأعصاب، حيث تتغلغل في النظام التعليمي هناك امبراطورية شاسعة من العلم الزائف، يُطلق عليها “رياضة العقل”. إنها سلسلة من التمارين المعقدة التي تعتمد شرب الماء وتحريك الرأس والأطراف بشكل غريب، لزيادة التفكير العقلاني ودعم خبرات التعلم! والملفت للانتباه أن الوزارة الوصية تروج للمفهوم ضمن أدبياتها الرسمية، وتعتمده كجزء من التطوير المهني للمدرسين دون مساءلة أو نقد.

ومرة أخرى يكشف العلم الزائف عن أحد أسرار جاذبيته ممثلا في إضفاء المهنية على ما هو بديهي أو لا يُعد ضروريا، وبالتالي إقناع الناس بأن رؤوسهم رخوة، يُعوزها وسيط يملك زمام الأمور!

 

العلم الزائف

 

ويقدم عالَم مستحضرات التجميل فضاء أرحب للعلم الزائف، حين تمتزج الأناقة بالخداع عن طريق مكونات “سحرية”، تغذي توق الناس إلى رفاهية كاذبة. يتعلق الأمر بعشرات، وربما مئات الكريمات التي يدعي جيش الخبراء و المروجين فاعليتها في تغيير المظهر، إما عن طريق أحماض أمينية، أو عبر ضخ مزيد من الأوكسجين تحت الجلد.

ادعاءات لا تحتاج سوى أن يلقي المرء نظرة على آليات التوازن الفسيولوجي للجسد ليدرك حجم التلاعب !

زيف آخر تكشف عنه الممارسات ووسائل التدخل الطبي، ممثلا في دعم وترويج الخُدع التي تنبني عليها المعالجة المثلية والعلاج الوهمي. حيث يجري اعتماد الخبرات الفردية كإثباتات علمية على نجاح العلاج، وأحيانا بشكل “معجز”، كما يحرص المختصون على العبث بالبيانات، وانتقاء التجارب والبدائل الرخيصة التي تعزز طقوسا معينة للوهم على حساب العملية العلاجية المألوفة.

ولا يقل مختصو التغذية حِرفية في تزييف العلم، وإضفاء تعقيد لا لزوم له على الأطعمة وعصائر الفواكه، لتبرير وجود مهنتهم، وخلق سوق يلعبون فيها دور الخبير لتعزيز الاعتماد عليهم، بينما البقية مغفلون أو جاهلون.

على محطة بي بي سي تم الترويج لعصير الرمان عبر برنامج (نيوزنايت) باعتباره مشروبا يقي المرء من الشيخوخة والتجاعيد. واعتمد الصحفي نفس الأسلوب المزيف و المثير وهو الحديث عن البيانات و الدراسات الحديثة.

ولا يتطلب الأمر سوى زيارة محركات البحث على الانترنت، ليكتشف المرء أن لا وجود لأية أوراق بحثية أكاديمية أو قاعدة بيانات تؤكد المفعول السحري للرمان، لكنه الهراء الذي لا يعبأ صاحبه بالأكاذيب.

إن ممارسات التغذية المألوفة لا تزال قائمة، لذا فإن الإصرار على التعقيد المفرط للأمر، عن طريق كم هائل من النصائح، لهو أعظم جريمة تُرتَكب لزيادة اللهاث خلف مراكز التسوق!

يُنحي المؤلف باللائمة على إعلاميين لا يملكون سوى معرفة ضئيلة بالعلم، وتسهم تغطياتهم للأمور العلمية في تكريس نموذج ساخر، يعتبر العلم نسقا من العبارات المتناقضة والرموز صعبة الفهم، فلا غرو أن يصبح الخبر العلمي مزيجا من القصص المضحكة والاكتشافات الكبرى، أو قصص رعب !

ظلت التغطية الصحفية للمستجد العلمي منشغلة منذ خمسينيات القرن الماضي بالهندسة وحقل الاختراعات المثيرة، لكن بحلول التسعينيات أصبحت تستقي مادتها من عالم الطب.

ورغم أن البشرية في أمس الحاجة إلى علم الصحة إلا أن هناك حماسا بالغا لتشويه قدرتنا على التفكير في هذا الموضوع. حماس تقف خلفه وسائل الإعلام، ولوبيات المصالح في شركات الأدوية ومستحضرات التجميل، أو لنقل ببساطة: المحتالون!

 يقول غولديكر ” أنت الآن لا تحتاج إلى هؤلاء الأشخاص. أنشئ مدونة، لن يهتم الجميع، لكن سيهتم البعض وسيعثرون على عملك. فالقدرة على الاطلاع المباشر على الخبرة المتخصصة هي المستقبل. ومثلما تعرف، ليس العلم صعباً -فالأكاديميون حول العالم يشرحون أفكارا في غاية التعقيد لأشخاص جهلاء في الثامنة عشرة من عمرهم.. ستقوم بهذا لأنك تعرف أن المعرفة شيء جميل، ولأنه إذا شاركك مئة شخص فقط شغفك؛ فهذا كاف”.

مراجعة كتاب العلم الزائف “bad science ben goldacre”بقلم حميد بن خيبش من المغرب.