لقاء في استكتب مع الكاتب أيمن العتوم

 

يسعدنا في هذه الزاوية لقاء في استكتب استضافة الكاتب والروائي أيمن العتوم وإليكم الحوار القيم معه؛

  • بعيدا عن عالم الروايات والشعر والكتب، من هو أيمن العتوم؟

انسانٌ محبٌ للفلاسفة محبٌ للحكمة. لدي هدف ولدي مشروع في كتاباتي، أحقق من خلالها أهدافي ومشروعي.

ومشروعي يتمحور حول الإنسانية، حول تقديم القيم الإنسانية العليا من خلال الكلمة. وإلقاء الضوء على هذه القيم الانسانية العليا بتصويرها من خلال عدسة الحرف. وأنا شاعرٌ غنّى فأشجى كما قلت وعبرت عن نفسي ببيت شعر:

أنا شاعرٌ غنّى فأشجى

من رأى شجراً يحاسب شاديَ الألحانِ

  • كيف كانت بدايات أيمن العتوم لدخول عالم التأليف والروايات؟ وكيف اكتسب شهرته؟

في الحقيقة بداياتي كانت في مكتبة أبي، فأنا منذ الرابعة من عمري وأنا أقرأ. والآن مرَّ من عمري حوالي سبعة وأربعون عاماً، فلي في القراءة ثلاثة وأربعون عاما.

أقرأ بشكل مستمر منذ الرابعة من عمري صحوت على مكتبة أبي التي تضم أمهات الكتب القديمة وكتب التراث وكتب التاريخ وكتب الفلسفة وكتب الأدب.

هذه بداياتي.. نشأت بين الكتب أما تخصصي الدراسي  فالهندسة والمجال العلمي. إلا أنني استطعت من خلال قراءتي أن أبلور موهبتي وأشكلها. فشهرتي، إذا كانت هناك شهرة كما تقولين، فهي جاءت من أن هذا الحرف الذي أكتب به وصل إلى كل الناس، والسبب أن خلف كل حرف أكتبه هناك مئات بل آلاف بل عشرات الآلاف من الحروف التي قرأتها. فالقراءة هي التي تكثف التجربة بعمق.

  • تقتبس كثيراً من القرآن الكريم كعناوين لرواياتك وفي مضمونها أيضا، ما السرّ وراء ذلك؟

في الحقيقة هناك أسباب كثيرة دعتني إلى أن أقتبس من القرآن الكريم، أولها أن النص القرآني نصٌ إنساني يعني جاء لكل الناس، للعالمين، لأن الذي قاله وأنزله على نبيه هو رب العالمين، هو رب الفرنسيين ورب الإنجليز، ورب الألمان، ورب الأمريكيين، ورب العرب، ورب الهندوس، ورب الباكستانيين، ورب الروس، رب كل الناس. وحين خاطب به أراد أن يوصله إلى كل الناس. فالخطاب الإنساني الذي يشمل جميع الناس في القرآن أنا استهديت به أي ذهبت على هداه، فكتبت لأنني أريد أيضا كما كان الخطاب القرآني إنسانياً، أن يكون خطابي أنا ايضا إنسانياً. فأصل إلى كل الناس.

هناك أسباب أخرى لكن أختصرها حتى لا أطيل أحدها أن القرآن نصٌ خالد، فإذا ذهبت إلى النص الخالد فإنك أيضا تريد الخلود لكتابك. وإذا ذهبت إلى النص المعجز فأنت تريد الإعجاز لكتابك.

  • كيف اكتسبت هذه اللغة الثرية؟ هل تعتبر القراءة سببا قويا وراء ذلك؟

قدرتي التعبيرية في الحقيقة لها أسباب عديدة. أولها أنني أحفظ أكثر من خمسة عشر ألف بيت من الشعر العربي قديمه وحديثه. فأنا نشأت على الحفظ . أحفظ كثيرا من القرآن وكثيرا من النصوص، نصوص الأحاديث و نصوص الخطب وغيرها . هذا الحفظ شكل لدي ثروة لغوية عملت على مزجها حتى أصوغ هذه العبارات.

أيضا أنا ابن هذه اللغة. وهذه اللغة ،كما قال عن العقاد، هي لغة شاعرة، ولغة ساحرة، ولغة مؤثرة، وهي لغة القرآن الذي تحدى بفصاحته فصحاء العرب. يعني لم يتحدّ الناس العاديين بل تحدى فصحاء العرب. فأنا أسير مع لغة القرآن لأنها اللغة الفصيحة التي تتصف بالسهل الممتنع. ليست لغة معقدة أو ذات الفاظ غير مفهومة. لكن هذا السهل ليس سهلا مبذولا إنما هو سهل ممتنع. فقراءتي وحفظي الكثير للقرآن والحديث والشعر والنثر والخطب والرسائل والنصوص والحكم كل ذلك شكل هذه الثروة.

  • الجانب الآخر لأيمن العتوم هو الشعر، كيف بدأ شغفك به؟ وما سر تعلقك به؟

أنا ا بدأت شاعرا، ومكثت في الشعر أزيد من خمسة وعشرين عاما، ثم بعد ذلك توجهت إلى الرواية. أكتب القصيدة منذ عام ألف وتسعمئة وست وثمانين، ولكن كتابتي للرواية بدأت عام ألفين واثنا عشر. يعني هناك تقريبا ستة وعشرون عاما.. ربع قرن مع الشعر، لكن الشعر يظل أقل انتشارا بين الناس من النثر، لأنه  لغة عالية. الشعر عبارة مكثفة الشعر وقد يكون أحيانا نخبويا الشعر، فالناس تسمع الشعر أكثر مما تقرأهُ، وبالتالي تذهب إلى النثر. لكن الرواية هي التي قدمتني إلى الناس. يعني منذ عام ألفين واثني عشر ذاع صيتي في الوطن العربي  بفضل الرواية لا الشعر. فأنا بدأت مع الشعر وقد قلت أيضا ذات مرة عن بداياتي مع الشعر:

الشعر لا يأتي إليّ آخرا

أنا ولدت  شاعرا

وأعتقد أن الشعر أرقى من النثر .

  • لماذا يبدو حضورك الروائي أكبر وأشهر من أدائك الشعري ،رغم أن تجربتك مع الشعر تمتد منذ سن الرابعة عشرة؟

أجبت عنه  ذلك جزئيا في السؤال السابق لكن أتم الإجابة. إن الرواية في الحقيقة أقرب إلى قلب الإنسان العربي، وإلى قلب الإنسان بشكل عام. لأن الفن القصصي ليس جديدا، ربما تبلور بأسسه وتقنياته في العصر الحديث لكنه فن قديم جدا، هو فن تاريخي وفن إنساني ربما من أسبق الفنون الإنسانية الأدبية. فالتوراة كلها قصة، والإنجيل من أول حرف فيه إلى حرف قصة سيدنا المسيح عليه السلام. والقرآن أزيد من ثلثه أو ربما نصفه هو قصة .قصص الأنبياء والصالحين، و قصص  الطغاة والأشرار أمثال فرعون. فالقصة أقرب إلى النفس لأن النفس تحب ما في القصة من تشويق وما في الرواية من بناءٍ. ويتماشى معه القارء في خياله فيذوب فيه.

  • لماذا اخترت فن الرواية لتحكي تجربتك في السجن، أقصد رواية “يا صاحبي السجن”؟

في الحقيقة لم أختر الرواية وحدها أنا كتبت تجربتي في السجن وأنا داخله .كتبتها في ديوان “نبوءة الجائعين” فهناك ديوان كامل كتب داخل السجن وديوان نبوءات الجائعين. وبعد أربعة عشر عاما كتبت تجربتي نثرا. فالشعر عبر عن تجربتي في السجن:

ومن عتمة السجن بل من نور إيماني

ومن دمائي بل من نزف أوطاني

كتبت شعري يا أمي على ورق

أعددته في غد الأكفان.

على سبيل المثال هذه قصيدة “من عتمة السجن” بديوان نبوءة الجائعين.  الديوان بأكمله هو تجربتي في السجن، في حين أن النثر جاء بعد أربعة عشر عاما عندما نشرت روايتي “يا صاحِبَي السجن”

  • لماذا يكتب أيمن العتوم ولمن؟

“لماذا نكتب” هي مقالة موجودة على مدونات الجزيرة. ربما وضعت أزيد من عشرين سببا للإجابة عن سؤال لماذا نكتب؟ وبإمكانك الرجوع اليها.

نحن نكتب لكي نفرق الألم الذي في أعماقنا. الشعوب كلها مكلومة، كل له ألمه وحزنه وذاكرته وذكرياته وبالتالي بالكتابة ربما نشفى من جروحنا ومن ذكرياتنا ومن آلامنا.

الكتابة أيضا رسالة، فأنا اقدم من خلال ما أكتب رسالتي للناس.

الكتابة أيضا شفاء من داء الذكرى كما قلت، والكتابة خلود فنحن نكتب لكي نخلد. كثيرون من الكتاب يكتبون من أجل أن تظل كلماتهم، وأن تعيش أعمارهم و أسماؤهم وأصواتهم بعد أن يرحلوا أما لمن أكتب؟ فأنا أكتب لكل الناس لا لفئة معينة.

  • كيف تصف تأثير السجن على نفسك بغض النظر عن تحفزك لكتابة رواية “يا صاحبي السجن“؟

في الحقيقة السجن له تأثير سلبي، فلا أحد يحب السجن. أما مقولة “السجن للرجال” فهي لتعزية الواقع البئيس الذي يعيشه السجين. السجن عذاب وموت وانتظار. السجن اشتياق ودموع. السجن ليل لا ينتهي.. السجن ألم شديد. لكن أنا نظرت إلى الجانب الإيجابي منه. عرفت أني سوف أسجن وسأجلس بين هذه الجدران لفترة .فكان أمامي خياران:  إما أن أقضيها بالتأوه والتألم والشكوى والضجر والسأم، وإما أن أقضيها بما يفيد. فقضيتها بما يفيد وقرأت في فترة السجن مالم أرأه في عشر سنين خارجه، وتعرفت على أناس وأفكار ماكان يمكن لي أن أتعرف عليها خارجه. وبالتالي السجن له أثر ايجابي. انا جعلته يؤثر إيجابيا.

  • هل “يسمعون حسيسها” جاءت تحديًا للكاتب “ياسين الحاج صالح” الذي قال أن الإسلاميين ليس لديهم قلم؟ أم لأسباب أخرى؟

ليست تحدياً بل جاءت إجابةً. أنا أقرع الحجة بالحجة. أتت اجابة لتساؤل الأسير الحاج صالح عن أن الإسلاميين لا يستطيعون الكتابة عن تجربتهم. قلت : تفضل هذه روايتي “يسمعون حسيسها” تحدثت عن تجربة الاسلاميين فجاءت اجابةً مثلما كان “تهافت التهافت” اجابةً من ابن رشد على الغزالي في تهافت الفلاسفة. فنحن لا نرفع أصواتنا ولا سلاحنا ولا أيدينا حين نرد على الاخر. نحن نقرع الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة والعمل بالعمل والرواية بالرواية والفيلم بالفيلم والقطعة الموسيقية بالقطعة الموسيقية والتاريخ بالتاريخ وهكذا.. هكذا يجب أن تتحاور الأمم. هكذا يجب أن يتحاور الناس اذا كان لديك ما تستطيع ان ترد به علي من خلال نقاش عقلي منطقي هادئ وقور يحترم الآخر ويسعى لخيرهم. ليس لدي مشكلة. أما أن ترغمني على الاعتراف بما تقول من خلال الصياح أو من خلال رفع الأيدي أو من خلال السلاح فهذا كله لا قيمة له.

  • أيمن العتوم ينأى بنفسه عن السياسة قليلا، ما رأيك في السياسة؟ ما سبب عزل نفسك عنها؟

أنا خضت غمار السياسة. أنا كنت في السجن بسبب السياسة في الأساس. يعني قصيدة سياسية أودت بي إلى السجن، وجعلتني أعيش مع السياسيين في السجن، مع أصحاب التنظيمات كلها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. فأنا بعد أن خرجت من السجن ربما لفترة طويلة، أو ربما بفضل القراءة الكثيرة المتواصلة التي تعرفك على تجارب الناس حول العالم، يبدو كل شيء أمامها ضئيلا تعرف حينها  أن القضية ليست مراهقة سياسية، وليست صياحا وليست دخولا في تجاذبات سياسية. فنأيت قليلا لكي أنجز.. نأيت بنفسي قليلا عن تجاذبات سياسية لكي أستطيع ان أوصل رسالتي من خلال كلماتي .في النهاية سنموت كلنا. هذه الهتافات السياسية وهذه الشعارات السياسية وهذه الأفكار السياسية ستموت أيضا بموتنا. لن يبقى إلا ما قدمته من عمل صالح للناس. والقاعدة الالهية التي تصلح لكل زمان ومكان: “فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.

  • بما أنك قد وفرت كتبك الكترونية في صفحتك الفيسبوكية، ألا تعتبر الكتب الالكترونية قرصنة وتشكل خطورة على حقوق الناشر والكاتب؟ ما رأيك في هذا الموضوع الذي يؤرق الكثير من القراء والكتاب معا؟

إن هذا الأمر خطير على الكاتب وعلى الناشر. أما بالنسبة لي ليس خطيرا. أنا بالنسبة لي يشكل  مساحة جديدة من القرّاء. مساحة جديدة من التعرف على أدب أيمن العتوم .

هناك أناس ربما في أماكن نائية جداً في جنوب السودان، وفي بعض الدول الافريقية التي يستحيل أن يصل إليها الكتاب الورقي. وحتى في فلسطين أحيانا بعض المناطق لا يصل الكتاب الورقي. خذ كتابي بصيغة ال pdf أنا في النهاية كسبان. هذا من مصلحتي. أما اللذين ينظرون إلى الجانب المادي، ويقولون حقوقنا وتعبنا ليالي طويلة وشهور وسنوات، ونحن نعد هذا البحث، ونكتب هذه الرواية أو ندبج هذا الديوان، وحقوقنا ذهبت هدراً ويندبون. هؤلاء لست ضدهم، لكنني لست من هذا النوع. أنا ما يهمني انتشار فكرتي ، والمردود هو هذا الانتشار عبر الوطن العربي.

  • أيمن العتوم يخصص وقتا للتصفح والرد على مراجعات القرّاء في غودريدز، قلّة قليلة من يفعل نفس ما تفعله. فما سرّ تخصيصك وقتا لذلك؟

في الحقيقة ليس فقط على الغودريز بل كل المواقع التي أتواجد فيها في الحقيقة. أرد في الفيس بوك بشكل شخصي ،وعلى تويتر و الانستغرام أيضا. والسبب أن هذا الذي عنّى نفسه من أجل أن يقرأ لي ويسألني سؤال معين حول قضية معينة من حقه علي أيضا أن أهتم به. وهذا أيضا جزء من التواصل ما بين القارئ والكاتب.

في الحقيقة الكتاب اللذين ينأون بأنفسهم ويضعون أنفسهم في أبراج عاجية، يموتون مع الزمن يضمحلون. ولكن يفترض أن تكون باسم معين وبحد معين حتى لا يُستهلك الكاتب أيضا في الرد وخاصة أن الأسئلة أحيانا تكون بالمئات، والرسائل بالمئات، والتعليقات بالمئات، وبالآلاف أحيانا. فهذا قد يرهق الكاتب. ولكن يسدد ويقارب، يحاول ألا يتجاهل قراءه.

  • نتفهم حضور الأردن في رواياتك لأنها مسقط رأسك، ماذا عن حضور سوريا المتكرر في روايات عديدة؟ وماذا عن ذهابك لليبيا في آخر رواية لك “طريق جهنم”؟

أنا ولدت في الأردن. هذا البلد  بلد الرباط، بلد مقدس بلد من البلاد التي قال الله تعالى عنها في القرآن الكريم: ((سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله)) أما بالنسبة لسوريا فأدب السجون أخذني اليها، وكذلك ليبيا. ولكن أنا مشروعي ليس فقط دولتين  أو ثلاثة من هذه الدول العربية. أنا مشروعي إنساني يمتد إلى أكثر دولة. لدي مثلا مشروع عن مذبحة سربرنيتشا مثلا في البوسنة والهرسك. إنني كاتب إنساني يذهب إلى القضايا الإنسانية، وللوقوف إلى جانب المظلومين وأكتب تجاربهم، وأحاول أن أوصل أصواتهم إلى العالم. فمشروعي إنساني متكامل، ولكن يحتاج إلى وقت حتى يتبلور ويصل إلى كل الناس. وربما الترجمة ستساعد كثيرا على توصيل هذه الفكرة الإنسانية إليهم.

  • استعملت العامية في رواية “يسمعون حسيسها“، لماذا اضطررت لجعل لهجة بعض الحوارات كذلك؟ وهل تؤيد أن تكون كتب بأكملها بلهجة عامية بعيدا عن العربية الفصحى؟

العامية ليست هدفا وليست وسيلة ولاغاية في رواياتي. وفي الحقيقة هي نسبتها محدودة، وربما ظهرت بشكل واضح في رواية “يسمعون حسيسها” لكن ربما انتفت نهائيا. لايمكن أن تجدي كلمة واحدة عامية في رواية “تسعة عشر” على سبيل المثال، لأنها خاطب العلماء والفلاسفة. أما لماذا كانت العامية موجودة في رواية “يسمعون حسيسها” فلسبب بسيط هو أن السجان غير متعلم،وليس معه حتى شهادة ابتدائية ،وبالتالي فهو يتحدث مع السجين بالعامية ويرد عليه السجين حتى لو كان طبيبا أو مهندسا بالعامية. فأحيانا من صدق الفن أن تجري الحوار على لسان الشخصيات بما يتناسب مع مستواها الثقافي.

  • للأسف احتجزت قبل سنتين بسبب رواية “حديث الجنود” ما تعليقك حول الأمر؟ وكيف تصف هذا الاحتجاز والتضييق على الرواية؟

بالنسبة لاحتجازي في قضية “حديث الجنود التي صدرت في 2014 ورفعت علي قضية بشأنها في نفس العام، أي ربما بعد شهرين أو ثلاثة شهور من صدورها. رفعتها دائرة المطبوعات والنشر بتحريك من الأجهزة الأمنية لأنهم لا يريدون لها ولا لتاريخها أن يظهر. وأنا أعتقد أن هذا أمر طبيعي. ليست أول مرة أعتقل، وأرجو أن تكون الأخيرة لكن أنا جاهز لأي احتمال، لأن هذه أقدار الله ماضية فينا جميعا، فحديث الجنود اعتقلت بسبب أنني خالفت فيها القانون كما نصت التهم التي وجهت إلي. اعتقلت وسجنت فترة ثم خرجت واستمرت القضية في المحكمة أربع سنوات قبل أن نأخذ حكما بالبراءة. الحمد الله رب العالمين بعد أربع سنوات من الماراثون القضائي والمحامين والقضاة والمحاكم. لكن ذلك خير وقد وجهت شكري وقتها للقضاة اللذين تعبوا معي.

  • لو لم تعش وتعايش تجارب مريرة كانت سببا في كتابة أربعة من رواياتك، هل كنت ستدخل عالم الروايات؟ من بوابة الخيال مباشرة مثلا كما في رواية “نفر من الجن”؟

تجاربي المريرة في حياتي ليست هي سبب كتابة رواياتي أو في الخيال لكن هي واحدة من محاولات إظهار الكاتب مقدرته على أنه يستطيع أن يكتب الخيال أيضا في رواياته. لكن الذين قالوا أنك تكتب للواقع، وأنك تقص قصص الذين حدثت معهم تجارب معينة فقط، أنت تحول بكلماتك بلغتك التي تفتخر بها ولغتك هذه التي تتميز بها فقط.هذه قصص واقعية فأردت أن أبين لهم أن الكاتب الجيد هو كاتب جيد فذهبت ل”نفر من الجن” ليس خيالا من عالم البشر بل هي خيال من عالم الإنس والجن. خيال عالم الجن ليقال أن الكاتب الجيد  يستطيع أن يحلق بخياله في خيال الخيال وليس في الخيال فقط.

  • كيف تتعامل مع الانتقادات التي يعيش حولها كل شخص يتردد اسمه في مختلف العوالم (الكتابة، السنيما..)؟

الانتقادات التي توجه إلي أحيانا أنا أتقبلها بصدر رحب، لكن إذا كانت منطقية .يعني كثير من الانتقادات ليست في محلها لأن صاحبها أطلقها بناء على عاطفته، بناء على ثقافته المحدودة. هو لم يقرأ ولذلك قبل أن تطلق حكماً عليك أن تقرأ قراءة مستفيضة. عليك أن تقارن، وعليك أن تكون ذا ثقافة. لكن كثيرا من الانتقادات هي انتقادات قرّاء عابرين، قراّء عاديين ليسوا نقّاداً. أنا اقبل بالرأي الآخر في روايتي. أنا أقول دائما لو أحد أمسك الرواية ونقدها من أولها لآخرها ما عندي مشكلة، أي رواية من رواياتي أي عمل من أعمالي وبين مواطن الضعف ما في أي مشكلة ما في إنسان كامل أن يكون بالفعل قادراً وممتلكاً أدوات النقد. لكن كل اللذين ينقدون ينقدون بلا ثقافة، بلا وعي، بلا علم، بلا معرفة، بلا خلفية، بلا ثقافة، وبلا تاريخ. يحكمون على شكل الشخص أحيانا يحكمون على توجهه أحيانا أخرى.

  • من هم الأدباء المفضلون لدى أيمن العتوم والذي ساهموا في تكوينه؟ وهل تفضل الكتاب العربي أم الأجنبي أكثر؟

في الحقيقة اللذين أثروا بي من الكتّاب كثيرون جدا، لا أستطيع أن اقول كاتبا معينا، لكن أستطيع أن أذكر عشرين ..ثلاثين.. ربما أربعين. خلال قراءة ثلاثة وأربعين عاما تشكل لدي نهر من الكتاب اللذين أثروا في وأثروا تجربتي. من القديم الجاحظ صنع مني شيئا في البيان والتبيين، وابن المقفع صنع مني شيئا في الأدب الكبير والأدب الصغير وفي كليل ودمنة، وأبو حيان التوحيدي صنع مني أشياء في الإمتاع والمؤانسة، وفي الإشارات الإلهية. الخليل بن احمد الفراهيدي في معجمه كان منبعا ومنارة بالنسبة لي في العروض وفي قضية الدوائر العروضية التي هي تدل على عبقرية لا يمكن لعقل ألا أن يكون الله قد وهبه ذلك. وفي الحقيقة الماغوط كأنه نزل من السماء على الخليل بن أحمد الفراهيدي، ثم رفع فما أحد أضاف عليه شيئا، لا في دوائره ولا في عروضه ولا في أضاربه ولا في تفعيلاته ولا أشكاله.

  • 10 كتب في 6 سنوات وبعدد صفحات معتبر، كيف استطعت أن تفعلها؟

صحيح.. تقريبا رواية ونصف إلى روايتين في كل عام هو في الحقيقة ليس مستغرباً على كثير من الروائيين. نحن طبعا عندنا الآن نقطتان مهمتان إما أن نقول في الكمية أن هناك مشكلة في الكمية و هناك تساؤل في الكمية هذا الرد عليه كثير جدا. فقد كان دوستوفسكي مثلا يكتب ثلاث روايات في العام. وقد فعل نجيب محفوظ مثله، فقد كتب في عام ألف وتسعمئة وخمس وسبعين ثلاث روايات. بل إن دوستوفسكي كان يكتب ثلاث روايات معاً في نفس اللحظة ينجز جزء من هنا وينجز جزء من هنا. وهذا طبعا من أعجب العجب ولكن لا أحد يعرف ذلك. اللذين يطلقون مثل هذا السؤال لا يعرفون أن هناك أناس يكتبون في العام يعني البعض القليل يكتبون ست روايات في العام. أحد الروائيين لا أتذكر اسمه من الانكليز أخبر أنه اصيب بسرطان ومعه ستة أشهر ليقضيها، فقال ستة أشهر أكتب شيئا لزوجتي كتابا لعله يباع وتستفيد زوجتي بعد رحيلي منه فكتب…

  • هل ترى حقًا أن الكتب العربية شحيحة في العدد؟

في الحقيقة الكتب في العالم العربي ليست شحيحة العدد. ربما لو تقارنها بالعالم الآخر صحيح لأن عندهم حركة أو حراكا ثقافيا أكثر بكثير من الذي عندنا. وأيضا سؤال ان القرّاء العرب ينقرضون لا ليس صحيحا بالعكس، هم ينمون ويتزايدون. ووسائل التواصل الاجتماعي صنعت حراكاً ثقافياً وأعادت القراءة ووهج القراءة إلى الناس أكثر من ذي قبل. وأنا متفائل بالمستقبل أن يزيد عدد القرّاء العرب، وأن تتحرك الثقافة، وأن تكون القراءة والوعي سبيلينِ من السبل التي ينتهجها الانسان العربي للتخلص من الظلم والاستبداد الذي يعيشه طوال هذه السنوات.

  • ماذا تنصح من يعيش حياة ألم وحياة صعاب؟ هل تؤمن أن الألم يمكن التعايش معه؟ وأنه جزء لا يتجزأ من الحياة؟

الألم جزء من الحياة على تفاوت هذه التجربة. لكن الإنسان لا ينكسر أمام الالم، لأنه هذا قدر مكتوب على كل واحد تقريبا في الحياة. والألم ليس شرطا أن يكون عذابا جسديا، قد يكون نفسيا، قد يكون ماديا قد يكون عقليا، قد يكون سلوكيا. يعني هناك أشياء كثيرة لمستويات الألم، لكن دائما يختبئ كما أقول الأمل في الألم .وأنا قلت في روايتي “يسمعون حسيسها” الألم ما هو إلا أمل إن غير مواقع حروفه ولم يبق جامدا، ينتظر تساقط الرحمات. والإنسان قد يتكيف مع عالمه. هناك كثيرون أصيبوا بسرطان وعاشوا مع السرطان أكثر من ثلاثين أو أربعين عاما. هذا على المستوى الصحي يعني يستطيع الإنسان أن يتكيف مع ألمه.  سجن علي العكرمي في رواية “طريق جهنم” تعايش مع ألمه ثلاثين عاما، وخرج قويا وانتصر في النهاية. فالتعايش مع الألم يحتاج إلى إيمان يحتاج إلى ارادة يحتاج إلى وعي.

  • وبماذا تنصح أي شخص يريد أن يدخل مجال الكتابة والتأليف بحسب تجربتك الثرية في هذا المجال؟

طبعا الكتابة  تكاد تكون حلم كل إنسان. أن يكون كاتبا معروفا، وهذا حلم مشروع لأي أحد. لكن لسنا كلنا نصبح كتّاباً، وليست الأمور بالتمني حتى لو أتعب المرء نفسه قد لا يصبح كاتبا. فيجب عليه أن يتقبل ذلك. الكتابة جزء منها موهبة، لذلك يفترض أن يكون عندك شغف الكتابة. لكن موهبة الكتابة موجودة عندما يدعمها شغف الكتابة وشغف القراءة التي يمكن أن تثري هذه الموهبة لكي تنتج شيئاً يمكن ان يكون مفيدا ومؤثرا في المجتمع.

الشغف وحده لا يكفي، الموهبة وحدها لا تكفي، يجب أن يتعاضد معا. والقراءة وحدها لا تكفي وتعلم تقنيات الكتابة أيضا وحده لا يكفي. كل ذلك يجب أن يكون متعاضدا حتى ينتج كاتبا متميزا ومؤثرا. ولكن أهم مقومات الكاتب الجيد أن يكون قارئاً جيداً، وكنت أقول دائما اذا أردت أن تكتب كتابا واحدا عليك أن تقرأ مئة كتاب.

لتحميل كتب أيمن العتوم pdf