اليوم العالمي للغة العربية

“عبّر بالعربي” هو الشعار الذي اختارته منظمة التربية والثقافة والعلوم “اليونسكو” لتجديد الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية 1440هـ، والذي يصادف الثامن عشر من ديسمبر كل سنة. ويُعبر تخليد هذا اليوم عن تلك المكانة التي تحظى بها اللغة العربية لدى ما يناهز نصف مليار من الناطقين بها، كما يعكس الاعتراف العالمي بإحدى أكثر لغات المجموعة السامية انتشارا.

وشعار اليوم العالمي للغة العربية هو دعوة صريحة لتعزيز حضور العربية في التدفق الرقمي، وصناعة المحتوى، وإعادة الاعتبار للحرف العربي أمام مزاحمة عولمية تهدد الهوية والانتماء، وتلقي بأجيالنا الناشئة إلى حافة التغريب. فاللغة العربية مكون أساسي من مكونات الشخصية لأنها لغة العقيدة من جهة، وخزان الموروث الفكري والعادات الاجتماعية والثقافية من جهة أخرى.

أنشطة وفعاليات في يوم اللغة العربية 

 تتسم المبادرات والأنشطة والفعاليات الخاصة باليوم العالمي للغة العربية بالتنوع و التجدد، تعبيرا عن مكانتها لدى الناطقين بها، واستدعاء لأهم التحديات التي تواجهها. وتتوزع الأنشطة عادة بين البعد الثقافي و البعد الفني، غير أن الاحتفال لم يخل في الآونة الأخيرة من حضور بارز للمكون الإعلامي والرقمي.

وتتضمن الاحتفاليات التي تشرف عليها المؤسسات والجهات الوصية في كل بلد عربي:

  •  دعوة كُتاب وأكاديميين وإعلاميين للحديث عن مكانة اللغة العربية، وحضورها الاستثنائي و البارز في قاموس اللغات العالمية. بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها، وسبل إقرارها وزيادة الإقبال عليها في فضاء عولمي مفتوح، تسعى خلاله كل لغة لتوسيع قاعدة انتشارها.
  •  الإعلان عن مسابقات أدبية وشعرية تحتفي باليوم العالمي للغة العربية، وتُبرز الخصائص المتفردة للعربية، ودورها الريادي في الإشعاع الثقافي للمجتمع الإسلامي .
  •  تنظيم  محترفات ومعارض للخط العربي، والفنون التي تحتفي باللغة العربية ، وتوظف الإمكانات المتنوعة لإنتاج أعمال تخلد حضورها في الفضاء التواصلي والإبداعي.
  •  إنتاج موارد رقمية ومواد إعلامية تعزز الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، وتتيح لها فرص الإسهام في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال.
  •  إقامة حفلات فنية وموسيقية تحيي التراث الأدبي للغة العربية.
  •  تنظيم حلقات دراسات للراغبين في استكشاف ثراء اللغة العربية ومكنوناتها المعرفية الفريدة.

ولاشك أن هناك أفكارا مبدعة تجعل من اليوم العالمي للغة العربية وقفة حيوية لتقييم ما تم إنجازه، وتحديد خطوات أخرى تعزز مكانة اللغة العربية وثقافتها المتجددة.

دلالات اليوم العالمي للغة العربية 

 في الثامن عشر من ديسمبر سنة 1973 أًصدرت الأمم المتحدة قرارها رقم 3190 القاضي بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل المعتمدة في أروقتها. وكان القرار استجابة لمقترح تقدمت كل من المملكة العربية السعودية والمغرب خلال إحدى دورات المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو.

ولم يكن الأمر بالسهولة المتوقعة حيث بدأ الضغط الدبلوماسي لاعتماد اللغة العربية منذ خمسينات القرن الماضي، ليسفر عن قرار أممي يجيز فقط الترجمة التحريرية، ثم تلاه قرار لليونسكو يعزز استخدام اللغة العربية في إطار الجلسات العامة.

وفي سبتمبر من العام 1973 أصدرت جامعة الدول العربية قرارها بجعل العربية لغة رسمية في الأمم المتحدة، وهو ما أثمر القرار المذكور بعد شهور قليلة، لكن لم يتقرر الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية إلا في سنة 2012، حين أوصت الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافية العربية باعتماد يوم 18 ديسمبر بمثابة يوم عالمي للغة العربية.

أهمية اللغة العربية 

تنبع أهمية الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية من كونها إحدى أهم خزانات التراث الإنساني، ورافدا أساسيا من روافد الحضارة العربية و الإسلامية. فالعربية ذات تراث عريق، وتاريخ ضارب في القدم. ومن أبرز سماتها المذهلة ثباتها و استقرارها بحيث يتمكن القارئ المعاصر من قراءة نصوصها القديمة دون الإحساس بفارق الزمن.وهو أمر لم يسجله التاريخ لغيرها من لغات العالم !

واللغة العربية مرآة العقيدة الإسلامية منذ أن شكل نزول الوحي بلسانها حدثا عظيما في شبه الجزيرة العربية، وافتخر سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم بالانتساب إليها حين قال: “أنا أفصح العرب بيد أني من قريش”- رواه الطبراني.

فارتبطت بالدين وأصبحت لغة العبادة، وأضفى عليها القرآن الكريم من إعجازه ما يضمن لها الخلود. يقول الأديب مصطفى صادق الرافعي عن القرآن:” فهو يدفع عن هذه اللغة العربية النسيان الذي لا يُدفع عن شيء، وهو وحده إعجاز”.

ومن مميزات اللغة العربية محافظتها على خصائصها المعجمية و الصوتية والصرفية، مما أكسبها فصاحة يعز مثيلها. يقول الإمام ابن كثير رحمه الله:” أفصح اللغات وأجلاها، وأحلاها وأعلاها، وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس.فلهذا أنزِل أشرف الكتب بأشرف اللغات.”

وتفصيل ذلك أن النظام الصوتي للغة العربية يتسم بالثبات، حيث لم تتغير أصواتها على مر السنين، في الوقت تبدلت أصوات اللغات الأخرى، بل واختفى بعضها من النظام الصوتي تماما.

أما النظام النحوي للغة العربية فهو نظام مفتوح، تتجدد فيه وظيفة الكلمة كلما أضيفت لها معايير أخرى كاستخدام الحركات أو ما ينوب عنها. في حين تبدو النظم النحوية للغات الأخرى مغلقة بسبب تحديد وظيفة الكلمة لمجرد موقعها من الجملة.

ولا تخلو الكتابة العربية من ميزة كذلك، حيث تتسم بالتطابق شبه التام بين المنطوق والمكتوب، ولا تملك حروفها أزيد من قيمة صوتية واحدة، مما يحرر العربية من الحروف المركبة.

هذه السمات وغيرها تضع العربية في طليعة اللغات المعاصرة، وتؤهلها بحق لأن تكون لغة كونية مشتركة بين سائر البشر. وفي ذلك يقول الشاعر:

           لغة إذا وقعت على أسماعنا      كانت بردا على الأكباد

           ستظل رابطة تؤلف بيننا         فهي الرجاء لناطق بالضاد

وإذا انضاف إلى ذلك دورها الريادي في المحافظة على الإرث الفكري للأمم السابقة، والإسهام في التبادل الثقافي بين الشعوب، خاصة في فترات الازدهار، فإن اليوم العالمي للغة العربية يصبح محطة أخرى لرهان السبق الحضاري، والذي لا يمكن كسبه دون تعزيز موقع العربية في مجالات الإبداع والتواصل والعطاء.

مزايا اللغة العربية

من أهم خصائص اللغة العربيّة:

الإِعراب، وهو تغير الحالة النحوية للكلمة بفضل عوامل تطرأ عليها. وتتمثل أهميته في نقل المفاهيم والأفكار، ودفع الغموض، والتعبير عن الذات وفهم المراد.

الاشتقاق، إذ تمتلك العربية خاصية الاشتقاق، ويقصد بها: اقتطاع فرع من أصل، وأخذ صيغة من صيغة، ولفظ من لفظ.

المقومات الصوتية، حيث يعتبر مخارج الحروف من ضمن الأصوات التي تعطي معاني كثيرة مثل الشدة والرخاوة، والانفتاح والإطباق، واللين والغنة، والتفخيم والترقيق، والهمس والجهر وغيرها.

التعريب ، وهو عملية تهذيب كلمة أجنبية وفقا لأوزان العربية وأبنيتها، حتی ينطق بها العرب علی مناهجها، فالعربية لها القدرة الفائـقة علی تمثيل الكلام الأجنبي وتعريبه حسب قوالبها باستخدام التحويل، أو الجمع بين كلمتين في مركبتين في كلمة واحدة، أو تغيير الحروف الأعجمية لتوافق الأوزان العربية.

النحت، ويقصد به دمج كلمات أو أجزاء منهما لتدل عليها. ومن أمثلتها: البسملة “بسم الله الرحمن الرحيم” والحوقلة ” لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم” والحمدلة “الحمد لله”…

التعويض، ويعني إقامة كلمة مقام كلمة أخرى مشتقة منها. كإقامة المصدر مقام الأمر “صبرا آل ياسر”. بمعنى اصبروا، وإقامة الفاعل مقام المصدر ” ليس لوقعتها كاذبة” سورة الواقعة. وكاذبة أي تكذيب. وإقامة المفعول مقام المصدر” بأييكم المفتون” أي الفتنة.

الإبدال، ومعناه إبدال الحروف وإقامة بعضها مكان بعض، مثل: جذَّ، وجدَّ، وفاض أي مات وفاظ: امتلأ، وكذلك صراط وسراط، ومكة وبكة.

 الأمثال والحكم، حيث اشتهر العرب بكثرة الأمثال والحكم، والاعتماد في ذلك على غنى الدلالات والمفردات العربية. والأصل في الحكمة و المثل التشبيه. كقول الرسول صلى الله عليه وسلم :” إنما مثل الجليس الصالح، وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير.

لغة الضاد، حيث اشتهرت اللغة العربية بأنها لغة الضاد، لأن صوت الضاد يخرجُ من التقاء إحدى حافّتَي اللسان, مع ما يقابلُها من الأضراس العُليا. وقِيل إنّ حرف الضاد هو الحرف الذي اختصَّت به العَرب. لكن يرى البعض أن الضاد المقصودة ليست الضاد التي ننطقها في الحروف الأبجدية، وانما هي مزيج من الظاء واللام.

اليوم العالمي للغة العربية..تحرر وانطلاق

أمام هيمنة التكنولوجيا على مناحي الحياة اليومية، وصراع اللغات من أجل إثبات حضورها في الفضاء الرقمي، فإن اليوم العالمي للغة العربية يشكل منعطفا حاسما لإعادة الاعتبار للعربية، وتكثيف المبادرات الرامية إلى توعية الشباب بضرورة الحفاظ عليها.

ولا يمكن الاكتفاء هنا بالجهد المؤسسي، بل لا بد من استدعاء مبادرات المجتمع المدني لبحث سبل تطوير اللغة العربية في حقول العلوم المستجدة، ودعم الترجمة، وتعزيز حضور العربية في شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة بعد أن تمددت رقعة اللهجات المختلفة.

وفي هذا الشأن يمكن تخصيص يوم اللغة العربية لتبادل الحديث بالفصحى، ونشر مطويات ومواد رقمية تبين الخصائص الفريدة للعربية، ودورها البارز في تمتين روابط الإخاء بين الشعوب الإسلامية.

كما يمكن دعوة الفعاليات الفنية والثقافية إلى إنتاج أعمال سينمائية أو تلفزية باللغة العربية، وتصميم برامج للأطفال تشيد بمكانتها.

ومن أهم التوصيات في هذا الباب أيضا، دعوة المؤسسات الحكومية العربية إلى الاهتمام بالعربية فيما يخص التعامل بالمطبوعات والأوراق الرسمية، ومراجعة المناهج التعليمية بشكل يضمن لها مسايرة العصر، والتجاوب مع متطلباته.

تكشف نظريات علم اللغة التقابلي أن للغة العربية مؤهلات تضعها في مصاف اللغات المعاصرة، لكننا بحاجة إلى النفخ في رماد الاعتزاز حتى تستعيد وهجها المتألق!