معجم الدوحة التاريخي للغة العربية 

خطوة نحو استعادة دور اللغة العربية الريادي

معجم الدوحة التاريخي للغة العربية

 

رغم قوة وانتشار اللغة العربية على مدى التاريخ، إلا أنها شهدت انحسارًا كبيرًا مذ غزا الاستعمار الأجنبي بلاد الشعوب العربية وغيّر من مفاهيمها، فنتج عن ذلك انحسار في استخدام مفردات اللغة العربية أمام مدّ اللغات الأجنبية القادمة من بلاد ما وراء البحار.

لكن على الجانب الآخر، لم يتوانَ أهل اللغة العربية وخاصتها عن الذود عنها في كل محفل. من خلال طرحهم للمعاجم اللغوية والعمل على تطويرها وإضافة كل ما جدّ إليها من مفردات العصر باستمرار.

تاريخ المعاجم العربية وتطورها

ظهر معجم اللغة العربية أول مرة في العصر العباسي، واستمر علماء اللغة في الإضافة إليه من مفردات اللغة العربية إلى أن اكتمل في القرن الرابع الهجري.

والأصل في اللغة أن تكون مفهومة من الناطقين بها، لكن باعتبارها أداةً للفكر وسبيلًا إليه، فهي تتطور بتطوره.

وقد يتساءل البعض عن سبب تأخر وضع العرب لمعجمهم اللغوي قياسًا ببقية الأمم، والإجابة تتمثل في أن ذلك عائد لإتقانهم لغتهم، حتى إذا استغلق عليهم لفظ لجأوا إلى آثارهم الأدبية وإلى الشعر خصوصًا. يقول ابن عباس -رضي الله عنه وأرضاه- (الشعر ديوان العرب، فإدا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزل الله رجعنا إلى الشعر فالتمسنا معرفة ذلك منه).

ما هو معجم الدوحة التاريخي للغة العربية ؟

يخلط البعض بين معجم اللغة العربية ( المعجم العربي ) و ( القاموس اللغوي )، أما المعجم العربي فهو كتاب يضم أكبر عدد من مفردات اللغة مقرونةً بتفسيرٍ لمعانيها، ومرتب وفق ترتيب أحرف الهجاء أو تُراعى فيه المعاني والمواضيع.

في حين يبقى القاموس اللغوي مجرد “ناقل” لتلك المفردات إلى نظيراتها في اللغات الأخرى (بحسب لغة القاموس).

انطلقت مبادرة مشروع ( معجم الدوحة التاريخي للغة العربية ) في 25 مايو 2013، وذلك تحت رعاية كل من مدير ( معهد الدوحة للدراسات العليا ) الدكتور/ عزمي بشارة والدكتور رمزي بعلبكي إضافة إلى مجموعة من الأكاديميين والمهتمين باللغة العربية وتاريخها وهويتها.

وبرزت فكرته على هامش المؤتمر السنوي الأول للعلوم الاجتماعية والإنسانية، وبالانطلاق من اهتمام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في العاصمة القطرية الدوحة بقضايا الأمة ومنها قضية اللغة العربية.

بماذا يختلف معجم الدوحة التاريخي للغة العربية عن المعجم العربي المتداول حاليًا؟

ما يميّز معجم الدوحة التاريخي للغة العربية هو تضمنه لما يمكننا تسميته بـ(ذاكرة ألفاظ اللغة العربية) وذلك يعني تسجيل تاريخ استخدامها بدلالتها الأولية، وتاريخ تحولاتها من حيث البنية والدلالة والاستعمال على مرّ العصور، مع توثيق ذلك بالنصوص التي تشهد على صحة ما ورد فيه.

وعن أهميّة معجم الدوحة التاريخي للغة العربية يقول د. عز الدين البوشيخي:

“إن بناء معجم اللغة العربية تاريخيًا هو بناء لذاكرة الأمة اللغوية والفكرية. وبتوثيق هذه الذاكرة تاريخيًا، فإننا نيسّر رصد التطورات اللغوية والفكرية التي مرّت على الأمة العربية على امتداد السنين السابقة”.

يلاحظ أيّ مهتمّ باللغة العربية ورود ألفاظ في تراثنا الفكري والعلمي بدلالات لم تعد لها اليوم، وفي غياب المعجم التاريخي اللغة العربية فنحن عاجزون عن الحدّ من سوء الفهم والتأويل الواقعين في قراءة تراثنا الفكري والعلمي.

مؤتمر المعاجم التاريخية للغات : نقل اللغة العربية لسياق أشمل

بعد إطلاق البوابة الإلكترونية لـ” معجم الدوحة التاريخي للغة العربية ” يوم الاثنين الفائت، انطلقت في مقر

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات “- أحد أقسام معهد الدوحة للدراسات العليا في الدوحة – فعاليات مؤتمر “المعاجم التاريخية للّغات.. مقارنات ومقاربات”، بمشاركة معجميين ولغويين من بلدان عربية وأجنبية، إضافة إلى أعضاء المجلس العلمي للمعجم.

ويأتي تنظيم هذا المؤتمر للنظر في القضية المركزية التي يتصدى لها المشروع، وهي علاقة المعجم بالتاريخ، ذلك أن التاريخ هو الغائب الأكبر في المعجم العربي، ومردّ غيابه أربعة أسباب جوهرية:

أولها، ما ذكرناه آنفًا من استبدال الشعر بالتاريخ في تحديد مقاصد المفردات العربية الغريبة ومعرفة معانيها.

وثانيها، أن فعل (التأريخ) يحتاج وجود مدّونة شاملة تمّ بناءها ضمن عشرات السنين، وليس لدى المعجم العربي مثل هذه المدونة.

وثالثها، أن قضية التأريخ شائكة بطبعها، فنظرًا لطغيان الرواية الشفوية في قرون العرب الأولى، باتت مهمة تأريخ النصوص العربية القديمة –حتى على وجه التقريب- صعبة على جموع المؤرخين واللغويين.

ورابعها، أن صناعة المعجم التاريخي تقتضي تأسيسًا في وصف اللغة، وتأثيلها (بحث عن العلاقات التي تربط كلمة معينة بأخرى قديمة جدًا تعد هي الأصل)، إضافة إلى علاقاتها بغيرها من اللغات، ولا وجود لشيء كهذا في اللغة العربية .

وهذا ما قاد مؤتمر المعاجم التاريخية للغات في نسخته الأولى ليكون مناسبة للإفادة من التجارب العالمية في صناعة المعاجم التاريخية.

ما هي النقاط التي ناقشها مؤتمر ” المعاجم التاريخية للغات : مقاربات ومقارنات ” ؟

تضمّن المؤتمر سبع جلسات عمل وجلسة ختامية على مدى يومين. حيث حملت جلسته الأولى عنوان “المعجم العربي والتاريخ”، وفيها قرأ رئيس المجلس العلمي للمعجم، د/رمزي منير البعلبكي، ورقة بعنوان “ملامح من الوعي اللغوي التاريخي في التراث المعجمي العربي”، تم من خلالها الإشارة إلى اتسام التراث اللغوي والنحوي العربي منذ القرن الهجري الثاني بالطابع التزامني لا الزماني.

من جهته، قدّم نائب رئيس المجلس العلمي للمعجم، إبراهيم بن مراد، بحثاً حول “مستويات التأريخ في المعجم التاريخي العربي”، أكدّ فيه على نقطة مشوّقة للغاية، ألا وهي أن التراث المكتوب باللغة العربية لم يتضمن سوى عملين غير معروفيّ النسبة وغير معروفيّ التاريخ، قام بهما مستشرقان: أحدهما حول مؤلفات الإمام الغزالي، والثاني حول كتب الإمام ابن رشد.

وفي كلمته حول تاريخية اللغة، تحدث حسن حمزة – مدير مكتب المعجمية والمصطلحية والقاموسية والترجمة العربية التابع لمجلس العلمي للمعجم – عن كونها تحدّدت قديماً في ثلاثة مبادئ: تاريخ الوحي، ومفهوم الفصاحة، والاعتقاد بأن التغير في اللغة طارئ عليها مردّه اختلاط العرب بالعجم.

وحول “المنهجيات المختلفة في تصنيف المعاجم التاريخية”، تحدّث عضو المجلس العلمي لـ” معجم الدوحة التاريخي للغة العربية “، علي القاسمي، عن الأسس الواجب مراعاتها في إعداد معجم، ورقياً كان أم إلكترونياً، ومنها (الجمهور المستهدف – نطاق المعجم من حيث المادة اللغوية  – حجم المعجم  – المدة المخصصة لإنجازه –  شموله – ،  مصادر مادته – الفلسفة اللغوية والمعجمية).

وألقى عضو المجلس العلمي لـ” معجم الدوحة التاريخي للغة العربية “، رشيد بلحبيب، كلمة بعنوان “معجم العين مصدراً من مصادر معجم الدوحة التاريخيّ.. المسوّغات والضّوابط”. وأوضح أن الاعتماد على معجم العين في معجم الدوحة التاريخيّ، كان سببه اعتماد المذكور أولًا على منهج رياضي متكامل في ترتيب الجذور وتنظيمها، وكذلك غناؤه بالمصطلحات اللّغوية، والشّواهد الشعريّة”.

===

المصادر:

 

حقوق الصورة البارزة