اليوم العالمي للغة الصينية

تَكلَّم صيني أو عِش وأنت تحاول!

 

في اليوم العالمي للغة الصينية يقف نحو مليار ونصف مليار صيني أمام جدار لغوي سميك، يمتد لما قبل أربعة آلاف سنة، حين وضع سانغ جيه الأبجدية الصينية.

وتحتل اللغة الصينية اليوم موقع الريادة من حيث عدد الناطقين بها حول العام، لذا قررت الأمم المتحدة اعتماد  20  نيسان/أبريل من كل سنة بمثابة اليوم العالمي للغة الصينية ، ومناسبة للاحتفاء بالتنوع الثقافي والتاريخي بين الشعوب، خاصة وأن اللغة الصينية أُدرِجت ضمن قائمة اللغات الست الرسمية لمنظمة الأمم المتحدة. وهي خطوة تعكس أيضا الإشادة العالمية بنجاح الصين في تقليص مساحة الفقر، وتحقيق العديد من الأهداف الإنمائية.

يحيل اليوم العالمي للغة الصينية على رسائل متعلقة بالتواصل واحتمالات العيش في مستقبل مشرق، حيث توضح الإحصاءات العالمية أن من بين كل ستة أشخاص هناك شخص يتحدث اللغة الصينية. والنظرة الواقعية  تفيد بأن التواصل مع الآخر بلغته الأصلية يتيح سبلا جديدة لتبادل الأفكار والآراء، وخلق المزيد من الفرص التي تحسن المستوى الشخصي والمهني. ومن الأمثلة الدالة في هذا الصدد، تزايد الطلب على المؤهلين للتعامل باللغة الصينية من لدن الشركات السياحية، خاصة بعد أن أدّى نمو الطبقة الوسطى في الصين إلى ارتفاع ملحوظ في موجات المستهلكين للمنتوج السياحي.

في اليوم العالمي للغة الصينية يتجدد سؤال التحدي الذي يجب رفعه لمواجهة منظومة لغوية تتألف من نحو 48 ألف رمز، لكنه سؤال لم يعد بالحدّة نفسها قبل عقود، فهناك اليوم إقبال متزايد لتعلم اللغة الصينية، حيث تحتل مراتب متقدمة في قائمة اللغات الأجنبية الأوسع تداولا في الدول الأوربية كبريطانيا وفرنسا. وبتزامن مع تجدد الاحتفال بـ اليوم العالمي للغة الصينية تعرض مؤسسة كونفوشيوس حصيلة نشاطها في توسيع قاعدة المتحدثين باللغة الصينية باعتباره واجهة للنفوذ الاقتصادي للصين على الساحة الدولية، ففي بريطانيا وحدها أعرب أزيد من نصف الشريحة التي شملها استطلاع للرأي عن رغبتهم في تعليم أبنائهم اللغة الصينية ، لأنها ستكون لغة العالم خلال العقود المقبلة.

وككل لغة عالمية فإن الإلمام بها يعدّ مدخلا حيويا للاطلاع على ثقافتها وحضارتها، خاصة إن كانت بمثل عمق وغنى الحضارة الصينية.

من هذا المنطلق يعزز الاحتفال باليوم العالمي للغة الصينية حضورها الثقافي باعتبار الصين من أقدم الحضارات التي تعود إلى خمسة آلاف سنة، وبرصيد عميق في ميادين الفن والعلوم والفلسفة لا يجهله أحد. حيث تبرز البصمة الصينية جلية في الإرث الفلسفي، ومنظومة الطب البديل وفنون التداوي، ناهيك عن الخصائص الفريدة لهندستها المعمارية التقليدية. إنها المفاهيم والآليات التي تسهم، بحسب الدكتور لوه تشونغ مين مؤلف كتاب (التجربة الصينية) ، في الارتقاء بالتأثير الدولي للغة الصينية ، واكتشاف ونشر القيم الخاصة بها.

فعاليات اليوم العالمي للغة الصينية

خلال اليوم العالمي للغة الصينية تقام مجموعة من الأنشطة والفعاليات الثقافية والفنية التي تحتفي باللغة والثقافة الصينية ، حيث تقام الحفلات الموسيقية والمعارض الفنية، وتنظم عروض لفنون القتال المتنوعة التي تشتهر بها الصين ، إلى جانب ورشات الخط وإسهامات الشعراء و الأدباء.

حروف اللغة الصينية

وللإشارة فإن القليل من الأحرف الصينية رموز صورية للكلمات الأكثر تداولا، على عكس الاعتقاد السائد بأنها لغة رموز. ويبلغ عدد الحروف الواردة في القاموس أزيد من 47 ألفا، غير أن الصين لجأت إلى تشكيل حروف مبسطة بين سنتي 1956 و1964 لمواجهة معضلة الأمية التي أشارت الدراسات إلى أن محوها يتطلب الإلمام بثلاثة آلاف حرف فقط !

وتثير الأرقام والإحصاءات التي يجري تداولها بمناسبة اليوم العالمي للغة الصينية حدة التنافس بين اللغات العالمية، والسباق لكسب مزيد من الناطقين بها لنشر ثقافتها وقيمها عبر العالم. فرغم ما يشاع عن اللغة الصينية بأنها لغة صعبة، إلا أن الناطقين بها في ازدياد مستمر، فهناك ما يربو على عشرين مليون دارس في مختلف أنحاء العالم، وتم إدراجها ضمن قوائم اللغات الأجنبية العامة في أزيد من 700 جامعة. بالمقابل تحتضن الجامعات الصينية آلاف الطلاب الأجانب الوافدين إليها لدراسة اللغة الصينية ، الأمر الذي يجعل من هذا التنافس ضرورة حيوية لتجاوز الانقسامات اللغوية، وجعل العالم مكانا أفضل بدعم سبل التواصل المشترك بين سكانه !

ويعد اليوم العالمي للغة الصينية مناسبة كذلك لتتويج الأجانب الذين قدموا إسهامات تعزز انتشار اللغة الصينية ، وتسهم في دعم التبادل الثقافي بين البلدان. وفي هذا الصدد يستحضر دنغ شو لين، مراسل مجلة الصين اليوم، قصة الأميرة التايلاندية شيلينتون التي درست بشغف اللغة الصينية ، وتكررت زيارتها للصين أزيد من عشر مرات، ألفت خلالها سبعة كتب عن هذا البلد لتكشف عمق وسعة موروثه الثقافي. وبعد شهر من الدراسة والبحث بجامعة بكين تم منحها لقب الدكتوراه الفخرية تقديرا لجهودها في التقريب بين البلدين.

وعلى مستوى الوطن العربي فإن الشراكة الاقتصادية مع الصين هيأت لمناخ من التعاون الثقافي، والاستثمار المتجدد لطريق الحرير الذي ربط الصين قديما بالعالم الإسلامي. لذا اندرج اليوم العالمي للغة الصينية ضمن قائمة المحطات السنوية التي يتعرف من خلالها المواطن العربي على الخلفية الحضارية والثقافية للتنين الأكبر الذي ابتلع نصف اقتصاد الكرة الأرضية، ويطمح للمزيد!

 

حقوق الصورة البازرة