التدقيق اللغوي

بالنظر في تعريفات التدقيق اللغوي نجدها جميعاً قاصرة عن الوفاء بوصف صحيح لهذه المَهَمَّةِ الشاقَّة، ولا يخلو تعريف منها من نقص أو قصور في بعض ما ينبغي أن يكون تعريفاً لائقاً بالمُعَرَّف، شاملاً عملية التدقيق اللغوي في اللغات كلها، وبمقتضياتها كلها.

تعريف التدقيق اللغوي

التدقيق اللغوي : علمٌ وفنٌّ، يُصارُ به إلى مراجعة النصوص المنطوقة والمكتوبة بلغةٍ ما، لتصحيح ما فيها من أخطاء إملائية ونحوية وصرفية، والأخطاء التي تقع في صياغة الجملة؛ وسَبكِها واستخدامها بالشكل الصحيح في الموضع المراد لها.

وبهذه الإضافة، يكون التعريف جامعاً مانعاً لكل مقتضيات النهج السليم في التدقيق اللغوي ، فإن الاقتصار على ما جاء في التعريفات المُبتَسرة التي تحصره في التدقيق النحوي والإملائي، كثيرا ما يُضفي المشروعية الزائفة على الصيغ السيئة المنحولة والمنحوتة من الترجمات عن اللغات الأخرى، وهذا داءٌ عُضالٌ لا يكاد يخلو منه أحد المدققين اليوم إلا بعض مما امتهن هذه المهنة وعرف أصولها بحقّ.

بل إن ما درج عليه أكثر المدققين في زماننا من منع أي تغيير في العبارة، لَهُوَ هروب من المسؤولية عن إتقان العمل بالتذرع بأنه يخرج التدقيق عن مسماه إلى ” التحرير “.

ولكي لا يظنَّ ظانٌّ أننا نخلط فنمنح المدقق صلاحية التغيير في النصّ نقول: إن التحرير هو مهمة المحرر، لكن مهمة المدقق تصويب وتصحيح ما وقع فيه المحرر من أخطاء و زلات، لا تغيير النص، وهنا تأتي ملكة وخبرة المدقق اللغوي في تطبيق ذلك قيأتي بالتصحيح وأن يظهر كأنه تعديل أو إعادة تحرير.

ومما تقدم يتبيَّن: أن عملية التدقيق اللغوي في حقيقتها واحدة من أكثر المهامّ غرابةً، فما من مؤهِّل تعليميّ يؤهّل المرء لممارستها، ولا توجد دروس ولا وُرَشٌ تعليمية يمكنها أن تُعِدَّك لتكون قادرًا عليها. هي مهنة تحتاج فقط أن يكون ممارسُها موهوباً في اكتشاف الأخطاء، أن تكون عينه تلك العين التي تقع مباشرةً على الهمزة الناقصة أو المكتوبة في موضع غير موضعها، أو على الحرفين الموضوع كلاهما موضع الآخَر، أو على علامة التنصيص التي بدأت الكلام ولم توضع علامة مقابلة لها لتختمه، إلخ.

والمدقق اللغوي قد يكون متخرّجًا في كلية الهندسة أو الطب أو العلوم أو الفنون الجميلة أو التجارة، إلخ، وموهبته في اكتشاف الأخطاء تحتاج فقط إلى معرفة بعض القواعد اللغوية ليكون مصحِّحًا لغويَّاً مائزاً. وقد تجد أستاذاً أو رئيس قسم في كلية العلوم أو في قسم اللغة العربية بكلية الآداب لا يمكنه ممارسة هذه المهنة، وإذا حاول تصحيح عشرة أسطر بها عشرون خطأً لم يكتشف من كل ذلك إلا أقلَّه، لا لضعف لغويّ لديه، بل لأنه عندما يقرأ الكلمة يراها صحيحة، يرى الهمزة غير المكتوبة مكتوبةً، ويرى التنصيص غير المرسوم مرسوماً، ويرى كلا الحرفين الموضوع كلاهما في موضع الآخر في موضعه، إلخ، لأنه لا يمتلك الموهبة التي تجعله يكتشف هذه الأخطاء. وهو حين يصحِّح امتحاناً للطلاب يعرف عمَّ يبحث فلا يجد مشكلة في تصحيح الامتحانات، ولكنه حين ينظر إلى سؤال النحو قد لا ينتبه إلى الأخطاء الإملائية التي وقع فيها الطالب، وحين ينظر إلى سؤال البلاغة لا ينتبه للأخطاء النحوية التي وقع فيها الطالب، لأنه يبحث عن شيء ما يعرفه، أما المصحِّح فيبحث عن كل شيء، يعرفه أو لا يعرفه.

و التدقيق اللغوي ليس مجرَّد مهنة، بل يمكننا القول: إنه هَوَس يصيب صاحبه، فهو -لا إراديّـَاً- لا يتجاهل شيئاً، لا من كلامه ولا من كلام غيره، فتلحظ عيناه الأخطاء، وقد يبلغ بها صاحبها، وقد يصوِّبها بينه وبين نفسه، إلا أنه أبدًا لا يتجاهلها، لا على الإنترنت ولا في لافتات الطريق ولا في ما يقع تحت يديه من كتب أو صحف…

فإذا أخبرك شخص ما بأنه مصحِّح لغوي أو مدقِّق لغوي أو مراجع لغوي، فلا تسأله عمَّا يهتمّ به عند التدقيق، ولا تعرض عليه سطوراً أو صفحات ليصحِّحها، ولا تسأله كيف تَعلَّم التصحيح اللغوي… فقط اطّلِعْ على “طبيعته اللغوية”، في نص نشره، أو في رسالة أرسلها إليك، أو في تعليق كتبه على منشور، أو في ردّه على تعليق، إلخ، وانظر إن كان يخطئ أو يتهاون في كتابته: في الإملاء والنحو والصرف وعلامات الترقيم والأسلوب والتراكيب اللغوية وعلامات الضبط والتقديم والتأخير والأخطاء الشائعة، انظر هل كان بإمكانه أن يجعل جملته أفضل أم لا، وعندها فقط ستدرك هل هو مصحِّح لغوي حقيقي، أم أنه فقط يبحث عن عمل لأنه لم يجد مكاناً في التدريس.

أهمية التدقيق اللغوي : تنبع هذه الأهمية من ضرورة أن يكون النص المكتوب أو المنطوق صحيحاً سليماً، في كل مكوناته وتضاعيفه ودلالاته ومؤدَّيَاته.

فوائد التدقيق اللغوي 

  • ضمان سلامة النص المكتوب وخلوه من الإخطاء ((اللغوية))، بكل ما اشتمل عليه تعريفنا أعلاه من معانٍ وتفاصيل.
  • حفظ كرامة الكاتب وتجنيبه الحرج أمام الناس بافتضاح الأخطاء فيما كتب، خصوصاً إذا كان من ذوي الهيئات والمكانات العالية في مجتمعه.
  • إلمام الكاتب بأخطائه، وزيادة اطِّلاعه على الأسلوب الجيد في الكتابة، مما يعينه على تفادي الأخطاء مستقبلاً.
  • إضفاء كل معاني الجودة والسمو على النص، خصوصاً إذا كان المدقق اللغوي يُضفي على النص مسحة جمالية خلال عملية الإخراج.

مراحل العمل في التدقيق اللغوي

يمكن اختصار هذه المراحل بما يلي:

  1. تجهيز الأدوات التي يحتاجها المُدقِّق مثل: جهاز الحاسوب، والمراجع الخاصة باللغة العربية كالمعاجم والقواميس، وكتب فقه اللغة والبلاغة والأدب، وكتب خصائص اللغة ولهجات العرب القديمة…إلخ.
  2. مراجعة شاملة عامة للنص كله، بحيث يحيط المُدقِّق بفكرة النص وموضوعه إحاطة تامة، ويتذوق لغة وأسلوب الكاتب، ونوعية الأخطاء وتكرارها.
  3.  إعداد وتجهيز مراجع الموضوع المراد تدقيقه، فيجهز ما يمكنه مراجع طبية إذا كان يدقق نصاُ طبياً، أو قانونية أو أدبية أو شرعية أو فلسفية وغير ذلك، حسب نوع النص المراد تدقيقه.
  4.  الاستعداد المادي ((الجسماني)) والنفسي للعمل بوضع مريح لأن التدقيق اللغوي في حقيقته عملية إبداعية تقتضي الراحة البدنية والنفسية التامة.
  5.  تصحيح النص إملائياً ونحوياً وصرفياً.
  6.  النظر الدقيق في السَّبكِ والصياغة التي صِيغَ النص بها، وإعمال يد الفنان الذواق، في تنقيته من شوائب الأخطاء الشائعة والركاكة والأسلوب المتدني؛ ونقله إلى مستوىً أعلى من الجودة.
  7.  إعادة مراجعة النص وتدقيقه مرة بعد فترة من الراحة والابتعاد عن النص لتنشيط الذهن والذاكرة.
  8.  إعادة ضبط ما يلزم ضبطه من كلمات النص بالحركات الإعرابية.
  9.  تفقد وتدقيق علامات الترقيم والتأكد من وضعها حيث يجب من النص.
  10.  إلقاء نظرة أخيرة على النص قبل تسليمه.

أخيراً إن كنت من المتقنين لهذه المهارة يمكنك إضافة تدقيق لغوي في استكتب , وذلك بعد انشاء حساب في استكتب.

نصائح يحتاجها المدقق اللغوي

نصائح يحتاجها المدقق اللغوي

لا يخلو عمل من أن يكون فيه مزالقُ ومهاوٍ، يقع فيها القائم بهذا العمل جهلاً أو سهواً، ولا نقول عمداً، لأنه إذا عمد إلى ذلك فقد أساء وظلم، ومن أجل تفادي الوقوع في شيء من ذلك، نقدم بعض النصائح والتوصيات لمن أحبَّ أن يركب متن هذا العمل، فيكون فيه الفارس الصنديد والماهر المُجيد:
1- قد يدخل الملل أو التعب أو السأم وربما التوتر نفس المدقق اللغوي ، لذلك عليه أن يبعد كل ذلك عنه، فلا يبدأ العمل وهو يعاني شيئاً من ذلك ولا يستمر بالعمل متواصلاً دون راحة، بل عليه عندما يرهق أن يمنح نفسه استراحات وفواصل جيدة، تكفي ليستعيد نشاطه وعزيمته وتركيزه الذهني والنفسي، وهنا لا نحدد ذلك بمدة معينة فهذا مداره على ظروف المدقق اللغوي والتزاماته، والفترة المتاحة له لإنجاز عملية التدقيق.
2- لكي يكون المدقق اللغوي ناجحاً وواعياً بآنٍ معاً، فإن عليه أن يحفظ المصطلحات والتعاريف والكلمات الرئيسة المتعلقة بمجال عمله مدققاً لغوياً؛ وبالأخص: ما يكون في حالة مباشرة له من تدقيقات وتصحيحات؛ فلو فرضنا أنه باشر العمل مدققاً لغوياً في إحدى الصحف السياسية: فإن عليه معرفة أسماء الشخصيات والحوادث والقضايا والإشكالات السياسية الهامة، لئلاَّ يقع في زلة أو هفوةٍ، ومثل ذلك إذا كان عمله في المجالات الدينية، فيجب عليه أن يكون مطلعا على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وحافظا لها ما أمكنه ذلك، لكي يتأكد في حال وجود أي خطأ يخصها في النص الذي يدققه، وكذلك إذا كان عمله في المجال الرياضي، فعليه معرفة أسماء اللاعبين وأنديتهم ومنتخباتهم، وكل ما يتعلق بهم، وهكذا في كل مجال من المجالات.
3- أن يستفيد من أخطائه التي وقع فيها في بدايات عمله في التدقيق اللغوي ويتجنبها في المرات اللاحقات.
4- قراءة النص مرة أو اثنتين أو أكثر إن لزم الأمر قبل أن يبدأ تدقيقه، والاستعانة بالوسائل والشروح المعينة على فهمه، وذلك ليفهم بدقَّةٍ النص الذي بين يديه، وألَّا يبدأ التدقيق اللغوي حتى يفهمه ويحيط به إحاطةً تامةَّ كأنه من تأليفه هو؛ لأن الفهم الخاطئ سيؤدي حتماً إلى وقوع أخطاء بل كوارث وطامَّات في عملية التدقيق اللغوي؛ نتيجة سوء الفهم وضعف الإدراك.
5- حذارِ حذارِ من التباسِ الألفاظ والتعابير، فكثيراً ما يُلَبِّسُ البعض، فيُدرجون الحركات الإعرابية في كلامهم، حتى يحسبها الناس فصيحةً. فيجب الانتباه من الوقوع في ما درج عليه الناس من صيغة منحولة من الترجمات المنقولة عن اللغات الأجنبية؛ فتلك مشكلة كبيرة تفشى في الناس منذ قرن تقريباً؛ وهنا يأتي دور المدققين اللغويين في علاجه ومكافحته.
6- على المدقق اللغوي الاجتهاد في فهم السياق والسَّباق والمنطوق والمفهوم من عبارات النص ومفرداته، ولا حرج في أن يقوم بقراءة الكلمة أكثر من مرة، ليفهمها في ضوء ما تقدم، لا أن يحصر نفسه في الناحية الإعرابية أو الإملائية دون غيرها، وذلك لكي يكون قادرا على الحكم عليها بصورة دقيقة صحيحة ويحدد حاجتها التصحيحية.
7- يرى بعض الباحثين: أنه يجب على المدقق اللغوي أن يتخصص في مجال واحد فحسب، وهذا ربما رأي غير سديد، فالمدقق مثل الطبيب يعالج كل من يحتاج العلاج، لا يفرق في ذلك بين شخص وآخر، فالمدقق اللغوي معنيٌّ بالألفاظ وسلامتها نطقاً وإملاءً ودلالة.
8- قراءةُ الكلماتِ بصوتٍ عالٍ ونطقُ كلِّ كلمةٍ ببطءٍ ووضوح. للتَّحقُّقِ من وجودِ أخطاءٍ قد لا تُلاحظها أثناء القراءة الصَّامتة السَّريعة.
9- يرى بعضهم ضرورة تشغيلُ المُدقِّق الإملائي في برنامجِ مُحرِّرِ النُّصوص Microsoft Word. هذا المُدقِّق النَّحوي والإملائي سيِّءٌ غالباً، وهذا الإجراء قد يُساعدك في اكتشاف الكلمات التي تحتاج تصحيحاً، كالخطأ المطبعي والإملائي ومع ذلك، قد يوقعك في أخطاء أخرى تغفل عنها إذا لم تكن متمكناً من صنعتك.
10- في برنامجِ مُحرِّرِ النُّصوص Microsoft Word، يمكن استخدام ميزة تعقُّب التَّغييرات Track Changes عند تدقيقِ نصٍ ما لغوياً، هذه الميزة مُفيدة لمعرفة أين وقع التَّصحيح، ويُعطي مجالًا لقبوله أو رفضه، ويُفيد المدقق اللغوي عندما يودّ إرسال ما دققه إلى من هو أعلم منه أو لصاحب العمل؛ للاستفادة من ملاحظاته وتوجيهاته، ليعرف هو بدوره أين قام بالتَّعديل بالضبط.
11- حين تبدأ عملية التدقيق اللغوي، يقيناً ستُصادف المدقق اللغوي كلماتٍ يحتارُ في ضبطها، ولا يكون حينئذٍ مُتأكِّداً هل هي نعتٌ أم حال مثلاً؟ وهكذا…في هذه الحالة لابد من طلب المساعدة ممن تراه خبيرا في هذا المجال.
12- عند تدقيق أي موضوع يحوي أسماءَ أشخاصٍ أو مُصطلحاتٍ علمية وتقنية، فيجب التأكد تماماً من تهجئة الاسم أو المُصطلح بشكلٍ صحيح.
13- يجب الانتباه لتدقيق العناوين الرَّئيسة، والفرعية والحواشي. مع الانتباه لما في الهوامش مع العمل على تدقيقها من خلال مطابقة الأرقام والتأكد من تسلسلها في المتن، والمَتْنُ هو النَّصُّ الأصلي للكتاب.
*الاطلاع المستمر ومعرفة الأخطاء الشائعة فهي أشبه باللُّقاح الطبي الذي يعطي الجسم الحصانة التلقائية ضد المرض ولكما كثرت اللقاحات اتسع نطاق المناعة.
14- الاجتهاد في امتلاك مهاراتٍ أُخرى بجانبِ التَّدقيق، كالطِّباعة، التَّنسيق، التَّحرير، الفهرسة، وكيفيةُ كتابةِ الرَّسائلَ الجامعية والمقالات بأنواعها.
15- التركيز على علاماتُ التَّدقيق: (الحذف، الإضافة، الاستبدال، التَّقريب، الإبعاد…إلخ).
16- إتقان مواضع واستخدامات علامات الترقيم، فلا تهمل و لا تستعمل بشكل اعتباطي غير منهجي.
17- ليس هناك تحديد لعدد مرَّات التَّدقيق، دقِّق حتَّى تشعر أنَّهُ لم يبق أي خطأ.
18- يجب أن تكون لديك سُرعة بديهة ومهارة في الأداء، فالمُدقِّق الجيِّد يحتاج ما بين خمس وسبع دقائق، لتدقيق صفحة مكتوب فيها مئتان وخمسون كلمة.

حقوق الصورة البارزة