من مذكرات بائعة الكتب

من سلسلة كيف تنتقي كتابا من المكتبة

لا يُخفي البعض رهبته عند دخول المكتبة، فالأمر يبدو أشبه بتأنيب ضمير للعزوف عن القراءة، أو عدم تخصيص وقت كاف لتغذية العقل. في المكتبة تحلق آلاف الأرواح التي تعرض على القارئ خبراتها ومعارفها، وخلاصة مرورها فوق قنطرة الحياة.

إلا  أن البعض لا تبدو له المكتبة سوى محل لبيع الكتب، لا فرق بينها وبين محل للأحذية، وآخر للحلويات. لذا يؤدي ولوجهم إلى المكتبات إلى قول أشياء غريبة، أو التصرف بشكل مثير للضحك والحسرة على حد سواء!

يعيش أمناء المكتبات مواقف وطرائف عديدة مع أناس لم يستوعبوا بعد دور القراءة والكتاب، أو وظيفة مكتبة الحي المجاورة لمحل سكناهم. فتكون تصرفاتهم وطلباتهم محيرة ومؤسفة. لذا حرصت القارئة وبائعة الكتب البريطانية “جين كامبل” على توثيق جملة من المواقف والسلوكيات التي تنم عن استهانة أو جهل بدور المكتبة.

 

من مذكرات بائعة الكتب

 

في كتابها ” أشياء غريبة يقولها الزبائن في متاجر الكتب” تسرد جين كامبل ذكرياتها مع زبون يشعر بالحزن لأن كتب الكبار خالية من الصور الجميلة التي اعتاد عليها في طفولته. وآخر يستأذنها في ترك أبنائه الصغار يتسلقون أرفف المكتبة بغرض اللعب، أما الثالث فيبحث عن أي كتاب بلون أخضر، يتناسق مع ورق التغليف الذي اشتراه!

بعض الشغوفين بالروايات المتسلسلة يتوقعون من المكتبة تجهيزا فوريا لطلباتهم، حتى وإن كان الجزء المطلوب مسودة بين يدي الكاتب ! في حين يزور الآخرون المكتبات من باب تزجية الوقت والتسلي:

  ” زبون: هل سمعت بتلك المقولة أنك إن منحت ألف قرد ألف آلة كاتبة، فإنهم في نهاية المطاف سيكتبون شيئا رائعا ؟

بائعة الكتب: نعم..!

الزبون: حسنا، هل لديكم أي كتاب من تأليف أولئك القردة؟”

وآخر يتساءل ببرودة الثلج: ” ألا يزعجك أنك محاطة بالكتب طوال اليوم؟ لو كنت مكانك سأكون مرعوبا من فكرة وقوع الأرفف عليَّ وموتي !”

 تكشف مواقف أخرى مع بعض الآباء والأمهات عن المنظور الخاطئ الذي يجعل من المكتبة امتدادا لمحل الألعاب أوالحديقة. فمنهم من يتوقع من البائعة تلبية طلب صغيرهِ حتى لو كان ساذجا أو صعب التحقق، كالزبون الذي يبحث عن كتاب يضم كل الوظائف الممكنة لابنته التي تبلغ من العمر أربع سنوات. وحين تسأل البائعة الطفلة عمّا تريد أن تكون في المستقبل تجيب ببراءة: أريد أن أصبح نحلة طنانة!

فئة ظريفة من الزبائن تلج المكتبة للتسوق أوالبحث عن الهدايا، لذا تكون أسئلتها وطلباتها غاية في الغرابة:

“الزبون: هل لديك أي كتب موقعة من الكاتبة مارغريت آتوود؟

 البائعة: لدينا كتب عديدة لمارغريت آتوود ، لكننا لا نملك أي كتب موقّعة منها.

الزبون: إنني أبحث عن هدية عيد ميلاد لزوجتي. وأعلم أنها ستكون سعيدة جدا بهذا التوقيع. هل بإمكانك تزوير توقيع لي ؟”

تمنح هذه المذكرات تصويرا بليغا للوضع السريالي الذي يواجه باعة الكتب. وضع يأتلف فيه الشغوفون حد الجنون والبلهاء، في حين لا يملك البائع غيرالأناة والتقاط ما يشكل مادة للتفكه :

” قد يكون هذا سؤالا غبيا: هل تبيعون الحليب هنا؟

  هل تبيعون تذاكر يانصيب؟

 هل تبيعون مفكّات البراغي؟”

تمنحنا جين كامبل فسحة من الضحك والتأمل في تجربة مكتبية تعيد للواجهة سؤال التأقلم.

إن ارتياد المكتبات لا يقل بنظري تأدبا وخشوعا عن ارتياد المعابد، لذا فهو بحاجة لتربية خاصة، وتفاعل تحظى خلاله المكتبة بحيز كاف على أجندة الانشغالات اليومية.

كتاب جدير بالقراءة لمن يخشى الوقوع في مطب مماثل!

إلى حلقة قادمة نتناول فيها تأثير الكتب على الآخرين لدرجة أن تغيّر حياتهم بالكامل، ونتعرف إلى مضمون كتب غيرت حياتهم .