ما هي عناصر البناء التعبيري ؟

الكلمة

هي العنصر الأساسي في تكوين النص المكتوب والمنطوق على حد سواء، وهي الوحدة الصغرى من وحدات الكلام.

وهناك أصول ينبغي أن يراعيها الكاتب في انتقائه الكلمات التي يصوغ منها جمله وفقراته منها:

  1.  البصر بالمترادف والمشترك والمتضاد منها، والحرص على أن يكون السياق الذي ترد فيه الكلمة للدلالة المقصودة والمعنى المبتغى دون لبس.
  2.  الوعي بأن دلالات الألفاظ متطورة من عصر لعصر ومختلفة من بيئة لأخرى، من هنا كان لابد من إدراك التطور التاريخي للغة وأخذ البعد الزماني والبعد المكاني بعين الاعتبار.
  3. تمييز المبتذل المستهلك من الأصيل المؤثل عند اختيار الألفاظ فالشائع المكرور الذي يتردد على الألسنة كثيرًا لا يثير المتلقي ولا يؤثر فيه، والمهجور المستكره عسير على الفهم، وغير المفهوم غير قادر على الإيحاء أو الإدهاش والتأثير فالبعد عنه أولى.
  4. الوعي بما بين الصفة والاسم والظرف من فروق دلالية:

فيما يتعلق بالصفة فإنها أقوى الدلالات على ضبط الأداء-كما يقول العقاد – فالصفات تخصص الموصوفات وتحددها، وتبرز الفروق بينها، أما الأسماء فقد تكون اصطلاحية وليست معنوية؛ بمعنى أن القوم تواضعوا عليها فكلمة كبريت يرجع أصلها إلى قبرص التي كانت أشهر البلاد المنتجة لها، والصفات لابد من المطابقة بينها وبين موصوفاتها، ولذلك فهي تابعة للموصوف في اللغة العربية من حيث الإفراد والجمع والتذكير والتأنيث، والتعريف والتنكير، وفي مواقف الإعراب.

  5. إدراك مواضع التعريف والتنكير في اللغة.

تعتبر اللغة العربية من أدق لغات العالم من حيث التمييز بين مواضع التعريف والتنكير على حسب معانيها، فهذه المواضع تسير على قاعدة معينة تلازمها ملازمة معناها: فالضمائر وأسماء الإشارة وأسماء الموصول والأعلام توجد مميزة في اللغة العربية، الأعلام في اللغة العربية غنية عن أدلة التعريف؛ لأن تمييز الاسم بالعلمية تعريف كاف، والأعلام الجغرافية التي تدخلها الألف واللام في اللغة العربية تلازمها دائمًا.

سادسًا: الوعي بشروط الفصاحة في اللفظة كما حددها البلاغيون والنقاد القدامى .

كالمناسبة بين الألفاظ ومعانيها، والخلو من التعقيد وتصنع المحسنات البديعية وتأليف الألفاظ من حروف متباعدة المخارج فكلما كانت الحروف متباعدة المخارج أوقع في السمع على نحو ما قال الشاعر:

ضدان لما استجمعا حَسُنا … والضدُّ يظهر حسنَهُ الضدُّ

كذلك فإن الكلمة لا ينبغي أن تكون غريبة غير مألوفة فإن ذلك من قبح التأليف الذي يمجُّه السمع.

وألا تكون الكلمة عامية، وجارية على العرف العربي الصحيح غير شاذة.

الجملة

هي الوحدة البنائية الثانية في عملية الكتابة، وتمثل الخطوة الأولى التي يخطوها المنشئ، وبناء الجملة بناء صحيحًا خاليًا من الخلل والزلل يستوجب عدة أمور -كشروط مبدئية- ينبغي الوعي بها:

الشروط التي ينبغي أن تتوفر في الجملة الجيدة

1. وضوح المضمون المراد التعبير عنه في ذهن الكاتب.

2.إدراك العلاقة بين مفرداتها بما يخدم هذا المعنى من حيث التقديم والتأخير، فهناك خيارات متعددة أمام الكاتب في ترتيب الكلمات، وهذه ليست مسألة نحوية فحسب، ولكنها تتعلق بطاقة التوصيل، أي ما يريد الكاتب أن يتركه من أثر في نفس المتلقي.

3.فهم السياق الذي ترد فيه الجملة سواء كان هذا السياق لغويًّا محضًا أو نفسيًّا وجدانيًّا أو فكريًّا، فالسياق اللغوي حيث تكون الجملة واردة في إطار متن لغوي معين يؤدي إلى تغيير دلالتها أحيانًا فعلى سبيل المثال: إذا جاءت جملة خبرية في سياق كلام ساخر تنتقي دلالتها الإخبارية المألوفة، وتكتسب معنى جديدًا يتناسب مع هذا السياق، فإذا قال قائل:

“أنت رجل عظيم بحق؛ ولكنك لا تدرك أكثر من مدى أنفك” فالمفهوم من هذا السياق أن المقصود بجملة “أنت رجل عظيم” ليس المدح بل الذم والسخرية في حين أن دلالة الجملة منفصلة عن سياقها تفيد المدح والتعظيم، وهذا أمر لا بد من أن يدركه الكاتب من خلال دراسته لعلوم البلاغة، وقد تتحول الجملة الإنشائية عن معناها إلى معنى آخر جديد تصبح فيه ذات طابع إخباري.

المقومات التي ينبغي أن تتوفر في  الجملة 

وهناك مقومات ينبغي أن تتوفر الجملة المختارة، وقد أفاضت كُتُبُ البلاغة القديمة في تتبع هذه المقومات ورصدها والتمثيل لها، ولكننا لن نتوقف عندها طويلًا لضيق المقام وسنشير إلى أربعة مقومات تتمثل في:

1. الالتزام بقواعد اللغة، وعدم الخروج عليها إلا وفق رؤية محددة لها ما يبررها من حيث الاشتقاق أو تطور الدلالة؛ أما السياق الإعرابي للكلمات فينبغي أن يُلْتَزَمَ.

2. مناسبة الجملة لموقعها من النص طولًا أو قصرًا، تشكيلًا أو تنظيمًا، ويستحسن الإيجاز والإحكام في البناء، ولكن بعض السياقات تحتاج إلى جمل طويلة، وخصوصًا إذا تضمنت مادة علمية تحتاج إلى إفاضة في التوضيح والتفصيل.

3. البعد -ما أمكن- عن الإكثار من أدوات الربط، وإذا كان لا بد منها فمن الضروري أن تكون في موضعها الصحيح، وأن تتوفر فيها دقة المعنى.

4. البعد عن الأنساق العامية في بناء الجملة، كالتراكيب المألوفة في لهجة الحديث اليومي مثل: الجمل المبتورة أو المترهلة، أو الناقصة فكثيرًا ما يحدد الموقف طبيعة الكلام الشفاهي، ويؤثر على طريقة الصياغة، فالنقص تكمله الإشارات أو قسمات الوجه وانفعالاته.

5. أن تتوفر فيها شروط الفصاحة التي أسهبت في الحديث عنها الكتب القديمة.

الفقرة

مجموعة من الجمل المترابطة تدور حول فكرة واحدة وتعالجها تفصيلًا وتطويرًا والأصل اللغوي يفيد شيئًا من هذا المعنى، فالفِقْرَة بكسر الفاء عبارة عن حِلية مصاغة على شكل فقرة من فقرت الظهر  ، وكما هو مَعْرُوفٌ فَإِنَّ كل فقرة ترتبط مع غيرها من الفقرات لتؤدي معًا وظائفها المنوطة بها، وتتفاوت الفقرات في الطول وفقًا للفكرة المطروحة لكن من المستحسن أن تتناسق فقرات النص من حيث الطول “تفصيلًا أو إجمالًا”.

الشروط التي ينبغي أن تتوفر في الفقرة الجيدة

  1.  تناسق الفقرة وانسجامها مع الفكرة التي تعالجها والانضباط داخل سياق محدد خالٍ من الاستطراد والتشعب الذي يفضي إلى التشتت والفوضى والتشويش، لذا ينبغي أن تكون كل جملة داخل الفقرة موظفة لخدمة الفكرة الأساسية، وأي جملة زائدة لا تخدم الهدف تهدد وحدة الفقر وتخرج بها عن محورها الأصلي.
  2.  أن يكون الهدف من توالي الجمل داخل الفقرة تطوير الفكرة وتنميتها وبلورتها، وليست مجرد تراكم إنشائي أو تداعيات لغوية تؤدي إلى تَرَهُّل الفقرة ومن ثم هلهلتها.
  3.  الترابط العضوي داخل الفقرة على مستوى الصياغة اللغوية كمقابل للترابط المعنوي، لأن هذين الشكلين من أشكال الترابط متعاضدان، لا يتم أحدهما إلا بالآخر.
  4.  الانتظام الحركي داخل الفقرة بشكل منطقي وطبيعي، مما يوفر نوعًا من السلامة والانسيابية داخل الفقرة، وبذلك بتنظيم الانتقالات الزمانية والمكانية والمعنوية. فعلى المستوى الزماني لا بد من تصور مسبق لسياقه، وتتبدى هذه القضية على نحو شديد الوضوح عند التعرض لكتابة القصة، فليس من الضروري أن تكون النقلات وفقًا للتسلسل الزمني، ولكن وفقًا لتصور الكاتب لرؤيته، أما في الكتابة الإجرائية والموضوعية فلا بد من التسلسل وتنظيمه والسيطرة عليه، وقس على ذلك أيضًا -الترتيب المكاني- وخصوصًا ما يتعلق بالوصف، فإذا كان هذا الوصف في إطار تصور إبداعي معتمد على اختيار الموصوف لتأدية غرض معين فلا قيد عليه على أن يتم ضمن تصور معين، أما إذا كان ضمن موضوع إجرائي، فينبغي المحافظة على التسلسل والترتيب في الانتقال من جزئية إلى أخرى.
  5.  خلو الفقرة من التكرار اللفظي والمعنوي، وقد سبق أن أومأنا إلى ضرورة أن تكون الفقرة محددة، ومتناسقة، والتحديد والتناسق لا يتمان إلا بانتفاء التكرار من الفقرة، لأن التكرار يخل بتوازن الفقرة ويقود إلى الركاكة والضعف.
  6.  تنظيم حركة الضمائر وفقًا للسياق النحوي والمعنوي بحيث يكون الاقتصاد في ذكر الضمائر من الأمور التي تؤخذ بعين الاعتبار، كما أن الانتقال من ضمير إلى آخر ينبغي أن يتم من خلال تصور يخدم الغرض من الفقرة.

 

حقوق الصورة البارزة