بدأت الحضارة لمّا خطّ الإنسان بقلمه ما عاشه من أحداث وما راوده من أفكار. فكانت الكتابة هي التعبير الأكثر إنسانية من بين كل الاختراعات التي صاغها الإنسان على مر التاريخ.

واعتاد الباحثون في تصنيفهم للكتابة إلى التمييز بين نوعين هما : الكتابة الوظيفية التي تهتم أساسا بالتواصل البسيط بين الناس لقضاء أغراضهم، وتنظيم شؤونهم. و الكتابة الإبداعية التي تهدف إلى التعبير عن أحوال النفس الإنسانية وترجمة مشاعرها.

ماهي الكتابة الإبداعية ؟

الكتابة الإبداعية أو Creative writing لون من الكتابة يعتمد على تحويل الموضوعات المتنوعة إلى كيان إبداعي، يحقق المتعة النفسية والأثر الانفعالي في نفس القارئ. وتحتاج الكتابة الإبداعية إلى مهارات فكرية ولغوية خاصة، واستعدادات لتحويل الحدث العادي أو الموضوعي التافه إلى نص يقوم على بنية جمالية وصور بديعة تترك انطباعا معينا لدى القارئ.

وهذا العمل الكتاب لا يولد فجأة، وإنما يتطلب من كاتبه مجهودا لتحويل الفكرة أو الخاطرة إلى نص إبداعي، سواء كان قصيدة شعرية، أو قصة، أو رواية، أو خاطرة، أو عملا مسرحيا.

أنواع الكتابة الإبداعية

تتعددت  أنواع ومجالات الكتابة وخاصة الكتابة الإبداعية وذلك بحسب تجربة الكاتب وميوله، ومن أهم أنواع الكتابة الإبداعية:

1- الكتابة الشعرية

من أهم خصائص الكتابة الشعرية: القيم التصويرية، والاهتمام بالتعبير عن الأحاسيس و المشاعر. حيث أن الشعر فن كتابة يستعين بالصور البلاغية، والمُحسنات البديعية، والتركيب الموسيقي الذي يعكسه التقطيع إلى أبيات وجمل شعرية.

وهو أيضا صورة صادقة لأخلاق المجتمعات وفضائلها. وفي ذلك يقول العقاد : وإلى الشاعر يرجع العربي ليتعرف القيم الأخلاقية، ويستقصي المناقب التي تستحب من الإنسانفي حياته الخاصة أو حياته الاجتماعية. يرجع العربي إلى الشاعر ولا يرجع إلى الفيلسوف، أو الزعيم، أو الباحث في مذاهب الاخلاق.

2- الكتابة القصصية

هي أكثر الأنواع الأدبية الحديثة انتشارا، نظرا لاهتمامها بالوعي الأخلاقي الذي يجذب القارئ ليدمجه في حياة مثلى يتصورها الكاتب، كما يقول والتن ألن.

ويُقسم النقاد الكتابة القصصية إلى ثلاثة أنواع: القصة القصيرة، والقصة، والرواية. وتعد القصة القصيرة أكثر الأنواع انتشارا لصغر حجمها وسهولة انتشارها، خاصة في عصر يتسم بالسرعة وهيمنة الآلة. ومن خصائصها:

– عن موقف محدد في حياة الفرد

– التكثيف على مستوى الحدث والشخصية والسرد.

– النهاية الحاسمة التي تتوج خيوط الحدث.

ومن المهارات المرتبطة بالكتابة القصصية عموما :

– تحديد الفكرة العامة والتخطيط للأحداث.

– رسم أدوار الشخصيات الرئيسية

– تحديد أزمنة وأمكنة الأحداث.

– تخطيط الحبكة القصصية.

– تحديد الحوار الذي يتلاءم مع الشخصيات.

– سلامة الأسلوب وفصاحة الكلمات، بالإضافة إلى استخدام الصور البيانية المعبرة.

3- المقالة 

كان هذا اللون الأدبي يُعرف عند العرب باسم “الرسالة”. ومن أشهر كتابها آنذاك “الجاحظ” و”ابن المقفع” و”ابن الشهيد”. أما العوامل التي ساعدت على انتشار فن المقالة في العصر الحديث فأهمها:

– نشأة الصحافة وازدياد الطلب على الموضوعات الاجتماعية والثقافية.

– الاتصال بالأدب الغربي الحديث.

– ظهور المطابع وانتشارها في أقطار الوطن العربي.

تُعرف المقالة بأنها قطعة إنشائية تتميز بالسهولة و البساطة، تتناول موضوعا أو فكرة معينة، ويختلف أسلوبها بين الإسهاب والإيجاز حسب الموضوع المستهدف، كما يغلب عليها الطابع الفكري أو التفسيري.

ومن خصائص المقالة:

– الوحدة العضوية: وتعني الانسجام بين المقدمة والعرض والخاتمة ضمن تسلسل منطقي.

– العرض الشيق: بحيث تتجه الكتابة نحو تحقيق المتعة، وحسن العرض.

– الإقناع : لأن هدف المقالة هو إقناع القارئ بسلامة الأفكار التي يعرضها الكاتب، ووجهة نظره.

– الإيجاز: بحيث تبتعد عن الثرثرة والخوض في التفاصيل.

– الذاتية: فمهما كان الموضوع الذي يتناوله الكاتب، سواء اجتماعي، أو إنساني، أو سياسي؛ فإنه لا يستطيع أن يخفي مشاعره ومواقفه.

4- السيرة

السيرة لون أدبي له طابع تاريخي، يروي أحداثا شخصية. ويعتبره الناقد عز الدين إسماعيل عملية فنية تجمع بين عمل المؤرخ، من حيث ارتباط السيرة بإنسان عاش في زمن معين وبيئة محددة، وبين عمل المصور الفنان الذي يرسم البورتريه.

أما خصائص السيرة فيحددها لوجون في أربعة أركان :

– شكل اللغة، فالسيرة هي بالأساس قصة نثرية.

– الموضوع، و يتركز أساسا حول رواية حياة فردية وتاريخ شخصية عامة.

– التطابق بين المؤلف والسارد.

– تطور الحكي عبر استدعاء سياقات ذات معنى.

وبالنسبة للمقومات، فإن السيرة تشترك مع غيرها من فنون الكتابة، خاصة الرواية والقصة، في المقومات البنائية، مثل: الأحداث، والشخوص، والزمان، والمكان، واعتماد اللغة الفنية.

5- الكتابة المسرحية

ترجع أصول هذا الفن إلى مصر القديمة، حين كان رجال الدين يعرضون قصة إيزيس وأوزيريس في المعابد. وتطورت أصول هذ الفن مع اليونان الذين أثروا بشكل كبير في الآداب العالمية.

تعتمد الكتابة المسرحية على جملة من المقومات أهمها :

– الفكرة: فلابد لكل مسرحية من فكرة رئيسية مستمدة من الواقع، تتم صياغتها بشكل فني ليتقبلها المشاهد. ويستعين الكاتب للحصول على الفكرة بالتاريخ والأساطير وتجارب الآخرين.

– الشخصيات: ويتم تحديدها بدقة ليتمكن الكاتب من إدارة الصراع بينها، ويوزع مهامها بشكل واضح ومحوري.

– الصراع : وهو عنصر أساسي في النص المسرحي، ويتم من خلال تفاعل الأحداث والشخصيات حتى يكون للأحداث المسرحية ميزتها الفنية الواضحة عن مثيلاتها في الحياة الواقعية.

– الحركة: النص المسرحي يُكتب ليُمثل، لذا يجب على الكاتب أن يهتم بالحركة النشطة الموافقة للحياة الواقعية.

– الحوار: وهو أهم مكونات الكتابة المسرحية، وبه تظهر فكرة المسرحية وتلامس قلوب المشاهدين.

– البناء الدرامي: ويقوم على بداية، يليها وسط يعرض الأحداث، ثم نهاية تتضمن ذروة الأحداث والحل.

خصائص الكتابة الإبداعية

حتى نميز بين الكتابة الإبداعية والكتابة العادية، علينا أن نحدد خصائصها، والمقومات التي يجب أن تتوافر فيها. وهذه الخصائص هي:

أولا: الطلاقة

 وتعني القدرة على إنتاج أكبر عدد من الأفكار الإبداعية، وسهولة توليدها لتعبر عن موضوع معين وفي وحدة زمنية محددة.

ولاكتساب الطلاقة لابد أن يتمتع الكاتب بالمهارات التالية:

  – كتابة أكبر عدد من العناوين لموضوع محدد.

  – التنبؤ بالنتائج بناء على مقدمات معينة.

  – كتابة مقدمات متنوعة لنهاية واحدة

  – مهارة المشترك اللفظي، أي عدد الكلمات التي تعبر عن أكثر من معنى

  – اكتشاف الروابط المختلفة بين الجمل.

  – الربط بين الجمل المختلفة لبناء موضوع

  – مهارة اشتقاق الكلمات من كلمة أو فعل.  

ثانيا: المرونة

أي القدرة على تغيير التفكير، فبينما ينحصر تفكير الأشخاص العاديين في اتجاه معين، على المبدع أن يتميز بحرية الذهن في الانتقال بين حلول مختلفة للموقف أو المشكل الواحد.

ومن المهارات التي تتطلبها المرونة:

– تنويع الجمل المعبرة عن فكرة ما

– التسلسل في الانتقال من فكرة إلى أخرى

– كتاب أفكار متعددة حول موضوع واحد.

ثالثا: الأصالة

وتعني إنتاج أفكار غير متكررة في بيئة الكاتب، وتتميز عن الأفكار الشائعة والحلول التقليدية. ومن مهاراتها :

  – كتابة عناوين غير مسبوقة لموضوع محدد

  – توظيف الكلمات و الجمل بصورة غير تقليدية

  – الربط بين أفكار موضوع معين بشكل جديد.

رابعا: الإثراء بالتفاصيل

وتعني القدرة على تحديد التفاصيل والإضافات التي تساهم في إغناء وتنمية الأفكار. ومن المهارات التي تنمي تلك القدرة:

 – إضافة شخصيات وأحداث لإغناء قصة بسيطة

 – كتابة أفكار متعددة لنص واحد.

 – رسم خطوات تحقق نصا متكاملا

خامسا : الحساسية للمشكلات   

وهي قدرة الشخص على رؤية المشكلات في أحداث وأشياء قد لا يراها الآخرون. وتسهم تلك الحساسية في إدخال تحسينات، وتقوية جوانب الضعف والقصور.

أما المهارات التي تعزز هذه القدرة فهي:

  – التحديد الدقيق لمشكلة تعترض الفرد أو المجتمع

  – الإحساس بوجود نقص في موضوع ما

 – تحديد أبعاد مشكلة و البحث عن معلومات مرتبطة بها.

 – وضع فروض لحل المشكلة والربط بين النتائج.

ما الفرق بين الكتابة الإبداعية والكتابة الوظيفية؟

تتنوع غايات الكتابة عموما بين التعبير عن الآراء، والإقناع، و الوصف، والتفسير، والحِجاج. وهي غايات يمكن التعبير عنها إما بكتابة وظيفية وإما بكتابة إبداعية.

فما الفرق بين الاثنتين؟

الكتابة الوظيفية هي نوع من الكتابة لا يهتم بالجاني الجمالي، والخيال، والصور البيانية والبلاغية؛ لأنه هدفه هو تواصل الناس فيما بينهم، وتنظيم شؤونهم، وقضاء مصالحهم؛ ككتابة التقارير، والخطب الرسمية، ومحاضر الجلسات، والإعلانات، والأوراق البحثية وغيرها.

أما الكتابة الإبداعية فتهتم أساسا بإظهار المشاعر، وترجمة الأحاسيس والأفكار والآراء، بأسلوب فني يحقق المتعة النفسية لقارئه. وهي كما ذكرنا، تستوعب كل الفنون الأدبية المعروفة،من مقالة ادبية ، وقصة، ورواية،  وقصيدة شعرية، ونص مسرحي، وسيرة ذاتية.. إلخ

 

حقوق الصورة