هل تريد أن تصبح مشهورا؟

الأمر لا يتطلب موهبة، فلست بحاجة إلى صوت جميل، أو اختبار ذكاء فوق المتوسط، أو لياقة بدنية غير عادية. جرّب أن تضع مقالب لأفراد أسرتك، من أخيك الرضيع حتى الجد العاجز عن الحركة، واجعلهم عرضة لسخرية متابعيك على اليوتيوب.

ارصد بكاميرا هاتفك عامل نظافة مرهق، يحاول أن يأخذ قسطا من الراحة، وألقِ بجواره مفرقعات ليقفز مرعوبا  من نومه، ويضحك متابعوك.

اربط ذيل قطتك بسلك ولُفّه حول جذع شجرة لتقضي المسكينة يومها تصارع ذيلها، ويصفق متابعوك.

وحين يمتلئ سطح العمارة بغسيل الجيران، لطّخه ببقايا الشيكولاتة والعصير، وسجّل على هاتفك عبارات سًخطهم وغضبهم ليستمتع متابعوك.

تسلقْ أعلى شجرة في غابة البلدة، والتقط سيلفي وأنت تتأرجح على غصن طري. نجوت؟ الحمد لله.. لا يهم بعد ذلك أن يلقى مراهق حتفه وهو يحاول أن يقلدك. المهم أن يُعجب بقوتك الخارقة متابعوك.

أغلقي عليك باب الغرفة حتى لا تراك الماما.. وافتحي دولاب ملابسها للعموم، ثم تمددي في أوضاع مخلة بالحياء، ومُدي شفتيك كما يفعل قرد الأورانغوتان ليُجنّ معجبوك.

إنها الشهرة الواسعة التي تنبأ بها الرسام الأمريكي “آندي وُورهول” في خمسة عشر دقيقة. لا يوجد فيها أي فاصل بين محتوى جيد ومحتوى رديء . فمنصات التواصل الاجتماعي تتكفل بكل شيء: النشر على نطاق واسع، وجلب الإعلانات، والتأثير على أجيال من الصغار لا ذنب لهم سوى أن الهاتف الذكي أصبح فردا من العائلة.

طوّرت تكنولوجيا الاتصال أدواتها وأساليبها لتجعل من عموم الناس شركاء في إنتاج المحتوى الإعلامي . ثم تخلّصت من كل لوازم الإنتاج التي تتطلب جهدا ومعرفة وخبرة، لتصبح الشهرة رهينة بصورة أو لقطة فيديو. كل ما عليك فعله هو أن تفقد صوابك، واحترامك، وحتى إنسانيتك إذا تطلّب الأمر لتكون في مصاف المشاهير.

فقد جزء من المحتوى الإعلامي قيمته ورسالته حين أصبح يقاس بنسب المشاهدة. واصبح الطريق مُمهدا للتطبيقات التي تشجع على نشر أي هراء مادام سيجد قاعدة مصفقين ومعجبين. لكن المتضرر الأكبر هم شريحة الأطفال الذين لم يروا من العالم إلا مظهره السطحي و الفارغ من أي معنى أو قيمة. فالصغار، كما يقول طبيب نفسي أمريكي، لا يرغبون أن يكونوا أطباء أو محامين، وإنما يريدون فقط ان يكونوا مشهورين.

إن وجود التفاهة أمر ضروري ليشعر المرء بالفرق، وتحافظ الحياة على توازنها، لكن حين تصبح البلاهة هي التي تفكر، كما يقول الكاتب المسرحي جون كوكـتو، فيلزم أن ندق ناقوس الخطر.

في أستراليا وكندا سارع المجتمع المدني إلى وضع لافتات تدعو للتوقف عن جعل الناس التافهين مشهورين. وتحركت بعض الأقلام المحدودة لتطالب بعودة المثقفين والأدباء إلى المشهد المجتمعي.

بالمقابل تشكو البلدان العربية من تزايد مؤلم لهذه الظاهرة، حيث تتسع قاعدة التافهين تحت رعاية القنوات الفضائية، ووسائط الميديا بكل أشكالها. وتتحول المواهب والكفاءات إلى فقاعات ملونة.